شهدت مدن ومخيمات في الضفة الغربية خلال الأيام الأخيرة سلسلة اعتقالات ومداهمات نفذتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، طالت أسرى محررين وشباناً مدنيين وصحفيين، في مشهد يعكس تصعيداً خطيراً في استهداف الحريات الفردية والعامة، ويثير تساؤلات قانونية عميقة حول مشروعية هذه الممارسات وتداعياتها.
ففي تطور لافت؛ اعتقلت مخابرات السلطة الأسير المحرر باهر هواش من مكان عمله، قبل أن تقرر تمديد اعتقاله لمدة 15 يوماً، دون إعلان واضح عن أسباب قانونية محددة، أو توجيه تهم معلنة، ما يضع هذا الاعتقال في دائرة التوقيف التعسفي، خاصة في ظل سجل سابق من الاعتقال لدى الاحتلال.
وفي محافظة طولكرم؛ أقدمت أجهزة أمن السلطة على اعتقال الشاب حازم مأمون القيسي من مخيم نور شمس، بعد استدراجه بطريقة وُصفت بالمخادعة.
وبحسب المعطيات؛ تواصل أشخاص مع القيسي، الذي يعمل في مجال الحدادة، مدّعين أنهم أصحاب ورشة ويحتاجون إلى قياسات لعمل ما. وعند وصوله إلى الموقع المتفق عليه، تبيّن أن المجموعة تابعة لأجهزة الأمن، حيث جرى اعتقاله في مكان بعيد عن منطقته السكنية في جبل النصر داخل المخيم، وهي منطقة تشهد وجوداً عسكرياً للاحتلال، ما ضاعف من خطورة ما جرى وملابساته.
أما في جنين؛ فقد اعتقلت مخابرات السلطة الصحفي قصي يوسف الكرم، عقب مداهمة منزله في بلدة جلقموس والعبث بمحتوياته، في خطوة تُعد مساساً مباشراً بحرية الصحافة والعمل الإعلامي، وانتهاكاً لحرمة المنازل، دون إظهار أوامر قضائية واضحة تبرر عملية المداهمة أو الاعتقال.
وتتعارض هذه الممارسات مع المبادئ الأساسية التي تكفلها القوانين الفلسطينية، والتي تنص على حماية الحرية الشخصية، وعدم جواز التوقيف أو الاعتقال إلا بأمر قضائي، وضرورة إبلاغ المعتقل بسبب اعتقاله، وتمكينه من التواصل مع محامٍ وعائلته. كما أن استدراج المواطنين واعتقالهم بوسائل الخداع، أو مداهمة المنازل دون ضمانات قانونية، يُعد خرقاً جسيماً لسيادة القانون ولمبدأ الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية.
ويشكل اعتقال الصحفيين على خلفية عملهم أو آرائهم، أو اعتقال الأسرى المحررين بسبب تاريخهم النضالي، اعتداءً مباشراً على حرية التعبير، وحرية الرأي، والحق في العمل، ويخلق مناخاً من الخوف والتضييق داخل المجتمع.
كما أن هذه الانتهاكات، في سياق واقع فلسطيني مثقل بالاحتلال، تُفاقم معاناة المواطنين، وتُضعف الجبهة الداخلية، بدل أن توفر لهم الحماية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية اليومية.
إن استمرار هذا النهج يهدد بتكريس سياسة الاعتقال التعسفي كأداة لضبط المجتمع، خارج الأطر القضائية السليمة، ويستدعي مراجعة شاملة للممارسات الأمنية، وضمان خضوعها للقانون، واحترامها لحقوق الإنسان، بما يصون كرامة الفلسطينيين وحرياتهم، ويمنع تحويل الأجهزة الأمنية إلى طرف ينتهك الحقوق بدل حمايتها.




























