يواجه السودان واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في تاريخه المعاصر، إذ أعلنت الأمم المتحدة أن البلاد أمام “أكبر أزمة جوع في العالم”، في وقت يتفشى فيه وباء الكوليرا بشكل متسارع، ما يضاعف معاناة ملايين المدنيين.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن نحو نصف مليون نازح في شمال دارفور وحدها معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا، مشيرة إلى أن الآلاف أصيبوا بالفعل في الإقليم الذي يشهد كثافة سكانية عالية داخل مخيمات الإيواء.
كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن أكثر من 100 ألف إصابة بالوباء سُجلت خلال عام واحد، وهو التفشي الأوسع في السنوات الأخيرة.
وتؤكد المعطيات الميدانية أن المجاعة باتت واقعا في بعض المناطق السودانية، نتيجة الحرب المستمرة منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش و”قوات الدعم السريع”. فالمعارك أدت إلى انهيار سلاسل الإمداد الغذائي، ودمار البنية التحتية، وتعطّل محطات المياه، ما جعل الملايين بلا مصادر آمنة للغذاء أو الشراب. ويقدَّر عدد المتأثرين بنقص الغذاء الحاد بعشرات الملايين، في انتهاك واضح للحق في الحياة والكرامة الإنسانية.
ومنذ إعلان السلطات السودانية في أغسطس/آب 2024 اعتبار الكوليرا وباءً وطنياً، لم يتوقف المرض عن حصد الأرواح. ورغم تسجيل تراجع نسبي مطلع 2025، عاد الفيروس للانتشار على نطاق واسع، خصوصاً في دارفور، مع انعدام الوقاية وتلوث مصادر المياه.
وذكرت آخر إحصائية حكومية أكثر من 102 ألف إصابة مؤكدة و2561 وفاة، بينما سجلت منظمات محلية الاثنين 181 إصابة جديدة و6 وفيات في دارفور وحدها.
إن ما يعيشه السودان اليوم ليس أزمة صحية وغذائية فحسب، بل انتهاك صارخ للحقوق الأساسية المكفولة في القوانين الدولية. فالحق في الغذاء والماء النظيف والرعاية الصحية منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بينما يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. إلا أن الواقع يكشف غياباً شبه كامل لهذه الالتزامات، ما يرقى إلى مستوى الحرمان الممنهج من الحقوق الأساسية.
وخلفت الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين أكثر من 20 ألف قتيل وفق إحصاءات رسمية، فيما قدّرت دراسات أكاديمية العدد بنحو 130 ألفاً، إلى جانب نزوح أكثر من 15 مليون شخص داخل وخارج البلاد. في ظل هذا الدمار، تتحول الأمراض والمجاعة إلى سلاح إضافي يحاصر المدنيين، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزاً عن فرض حلول سياسية أو إنسانية عاجلة.