تتفاقم الكارثة الإنسانية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث يعيش أكثر من 177 ألف مدني تحت الحصار الكامل منذ أيام، وسط تقارير عن آلاف القتلى والمفقودين بعد أن أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان أبشع فصول الإبادة التي شهدتها دارفور مطلع الألفية.
وفي هذا السياق؛ قالت نقابة أطباء السودان (أهلية مستقلة) إن 177 ألف شخص ما زالوا محاصرين في مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور (غرب)، فيما تشير تقديرات فرقها الميدانية إلى أن الضحايا بالآلاف.
وتابعت النقابة: “ارتكب الدعم السريع مساء الثلاثاء مجزرة مروعة بحق مواطنين عُزّل على أساسٍ إثني في جريمة تطهيرٍ عرقيٍّ، وتشير تقارير فرقنا الميدانية إلى أن أعداد الضحايا يقدر بالآلاف في ظلّ صعوبة الاتصال وانعدام الأمن”.
وأضافت النقابة: “قتل 2000 مدني بالساعات الأولى لدخول الدعم السريع للفاشر، وتم تصفية أبرياء بحرقهم أحياءً، فيما يقدر أن 177 ألف مدني ما زالوا محاصرين ويُعتقد أن غالبيتهم تعرضوا لعمليات قتل جماعية وتم حرق من خرجوا بسياراتهم أحياء داخلها”، مشيرة إلى أن “قوات الدعم السريع” نهبت المستشفيات والمرافق الطبية والصيدليات.
وزادت: “شهدت مجزرة المستشفى السعودي في الفاشر تصفية ميدانية لأكثر من 450 مريضاً ومصابا كانوا داخل المستشفى، وما يقارب من 1200 من كبار السن والجرحى والمرضى داخل المرافق الصحية الميدانية”.
وكشف البيان أنه “تم توثيق انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر، وشملت إعدامات ميدانية، واقتحامات من بيت إلى بيت، وعنفاً جنسياً، كما تم إجبار الضحايا على حفر قبورهم ودفن أنفسهم أحياءً”.
ومنذ أيام؛ تتهم السلطات السودانية ومنظمات دولية وأممية قوات “الدعم السريع” بارتكاب “مجازر وانتهاكات إنسانية” بحق المدنيين في مدينة الفاشر، تشمل “إعدامات ميدانية”، واعتقالات، وعمليات تهجير، خلال اقتحامها للمدينة التي كانت تحاصرها منذ أكثر من عام.
وأمس الأربعاء؛ أعلنت منظمة الهجرة الدولية، في بيان، نزوح 2698 شخصا من مدينة الفاشر خلال يوم جراء هجمات قوات الدعم السريع، ليرتفع عدد النازحين إلى 36 ألفا و183 نازحا خلال 4 أيام.
وقتل نحو 20 ألف شخص، فضلا عن أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، جراء الحرب المتواصلة بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” منذ أبريل/ نيسان 2023، وفق تقارير أممية ومحلية، بينما قدّرت دراسة لجامعية أمريكية القتلى بنحو 130 ألفا.
وتشكل هذه الوقائع تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين والمنشآت الطبية في النزاعات المسلحة، بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية.
وتُصنّف عمليات القتل العمد للجرحى والمرضى، والاعتداء على الكوادر الطبية، ضمن جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم، ويُفترض أن تخضع للمساءلة أمام القضاء الدولي.
غير أن طبيعة الجرائم المرتكبة في الفاشر تشير إلى نمطٍ أوسع من الانتهاكات يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، إذ يتم استهداف مجموعات محددة على أساس الهوية، وارتكاب أعمال قتل جماعي وعنف جنسي، وإجبار الضحايا على حفر قبورهم ودفن أنفسهم أحياءً، وهي ممارسات تصنفها المحكمة الجنائية الدولية ضمن “الجرائم ضد الإنسانية” المنصوص عليها في نظام روما الأساسي.
ويعكس الصمت الدولي عما يجري في السودان، فشلاً جديداً في تطبيق مبدأ “مسؤولية الحماية” الذي يُلزم المجتمع الدولي بمنع الجرائم الجماعية حين تعجز الدولة أو تتورط في ارتكابها.



























