لا تزال مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تدفع الثمن الباهظ لحربٍ تستهدف المدنيين بصورة مباشرة، وسط حصار خانق وظروف إنسانية متدهورة. ففي أحدث حلقة من مسلسل الانتهاكات، سقط عشرات القتلى والجرحى جراء قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على أحياء مكتظة بالسكان.
وأعلنت شبكة أطباء السودان (مستقلة) الخميس، أن 24 شخصاً قُتلوا وأصيب 55 آخرون، بينهم 5 نساء، عقب قصف مدفعي استهدف السوق المركزي وحي أولاد الريف بمدينة الفاشر مساء الأربعاء، في مجزرة متعمدة ضد المدنيين الذين يتمسكون بالبقاء في بيوتهم وأرضهم رغم عام كامل من الحصار والاقتتال.
وتشهد مدينة الفاشر منذ أكثر من عام قصفاً مدفعياً متكرراً وهجمات مسلحة، ضمن حصار شامل تفرضه قوات الدعم السريع منذ مايو/أيار 2024 أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار معظم الخدمات الأساسية، ما حول حياة السكان إلى معاناة يومية، وسط غياب أي ممرات آمنة للمدنيين.
ووفق قواعد القانون الدولي الإنساني؛ يُعتبر استهداف المدنيين والأحياء السكنية جريمة حرب صريحة، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام المدفعية أو الأسلحة الثقيلة ضد مناطق مكتظة بالسكان. كما أن فرض الحصار وتجويع السكان يدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، لكونه سياسة عقاب جماعي ممنوعة قطعاً في الاتفاقيات الدولية.
إن تكرار استهداف الأسواق والمناطق السكنية في الفاشر يكشف عن نمط متعمد، لا عن “أضرار جانبية”، وهو ما يضع مرتكبيه أمام مسؤولية جنائية فردية قد تصل إلى توصيف “الإبادة الجماعية” إذا ثبت القصد في تدمير جماعة سكانية بعينها.
ومنذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان 2023، تجاوزت حصيلة القتلى 20 ألفاً وفق التقديرات الرسمية والأممية، بينما قدّرت دراسات مستقلة أن العدد الفعلي يقترب من 130 ألف قتيل. كما أدت الحرب إلى نزوح ولجوء نحو 15 مليون شخص، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم اليوم.
ورغم التحذيرات الأممية من خطورة الأوضاع في الفاشر باعتبارها مركزاً للعمل الإنساني لولايات دارفور الخمس، لم تُتخذ إجراءات عملية لوقف الهجمات أو رفع الحصار، ما يجعل المجتمع الدولي شريكاً غير مباشر في إطالة أمد الجرائم، ويترك المدنيين وحدهم في مواجهة آلة حرب لا تعترف بأي قوانين أو محظورات.