يواجه السودان واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية فداحة في العصر الحديث، في ظل استمرار الحرب الدامية منذ أكثر من عامين، والتي حوّلت البلاد إلى بؤرة نزوح جماعي وانتهاكات واسعة للحقوق الأساسية.
وفي هذا السياق؛ أكدت منظمة الهجرة الدولية أن السودان بات يشهد أكبر أزمة نزوح في العالم، نتيجة الصراع المتواصل بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” منذ أبريل/نيسان 2023.
وبحسب المنظمة؛ فقد أُجبر نحو 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم، في مشهد يعكس انهيار منظومات الحماية المدنية، ويضع ملايين السودانيين خارج أي إطار فعلي للأمن أو الاستقرار.
وأوضحت المنظمة، في بيان عبر منصة “إكس” أن الأزمة لا تستثني فئة دون أخرى، إذ تمتد من أمهات يهربن مع مواليدهن تحت القصف، إلى طلاب تشتتوا بعيداً عن أسرهم، ما يكشف عن تفكك اجتماعي عميق تسببت به الحرب.
وأفرزت الحرب، التي اندلعت على خلفية صراع على السلطة واقعاً إنسانياً وقانونياً بالغ القسوة. فالنزوح القسري بهذا الحجم يشكل انتهاكاً صارخاً للحق في السكن الآمن، ويقوض حق الإنسان في الاستقرار والحياة الكريمة، ويضع الدولة، بحكم القانون الدولي، أمام مسؤوليات لم تعد قادرة على الاضطلاع بها.
وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب) اشتباكات عنيفة منذ أسابيع، أسفرت عن موجات نزوح جديدة لعشرات الآلاف، في ظل غياب ممرات آمنة أو ضمانات فعلية لحماية المدنيين.
كما يسيطر واقع الانقسام العسكري على خريطة البلاد، إذ تهيمن “قوات الدعم السريع” على معظم ولايات إقليم دارفور الخمس غرباً، باستثناء أجزاء من شمال دارفور، بينما يسيطر الجيش السوداني على غالبية الولايات الأخرى، بما فيها العاصمة الخرطوم، التي تحولت بدورها إلى ساحة قتال وانتهاكات.
ولا يمكن فصل ما يجري في السودان عن إخفاق جسيم في حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي الإنساني. فالقتل الواسع، والنزوح القسري، وحرمان السكان من الغذاء والماء والرعاية الصحية، كلها مؤشرات على تآكل الحق في الحياة، وخرق واضح لالتزامات أطراف النزاع تجاه المدنيين. كما أن استمرار الحرب دون مساءلة يعمّق ثقافة الإفلات من العقاب، ويهدد بتحويل المعاناة الإنسانية إلى واقع دائم لا طارئ عابر.
ومع دخول الصراع عامه الثالث؛ تتفاقم الأزمة الإنسانية بوتيرة متسارعة، في ظل غياب أفق سياسي واضح، واستمرار الانتهاكات التي تطال المدنيين بشكل مباشر. وبات النزوح في السودان ليس مجرد نتيجة جانبية للحرب، بل عنواناً لانهيار شامل في منظومة الحقوق، يهدد حاضر البلاد ومستقبلها، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني لا يحتمل مزيداً من التأجيل.




























