أتم العدوان الإسرائيلي المتواصل على مدينة جنين ومخيمها شهرا كاملا، مخلفاً وراءه مشهدًا كارثيًا يعكس حجم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
فمنذ بدء العدوان؛ ارتكبت قوات الاحتلال سلسلة من الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب، شملت القتل العمد، التدمير واسع النطاق، والتهجير القسري للسكان المدنيين.
وقد أسفر العدوان حتى الآن عن مقتل 26 فلسطينيًا، بينهم أطفال، إلى جانب عشرات الإصابات، فضلًا عن نزوح آلاف المواطنين، وسط دمار غير مسبوق للبنية التحتية والمنازل والمحال التجارية.
ويتعمد الاحتلال استخدام القوة المفرطة والممارسات العقابية الجماعية بحق السكان، وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي التي تحظر استهداف المدنيين أو تدمير ممتلكاتهم ما لم تكن هناك ضرورة عسكرية قاهرة، وهي حجة دأب الاحتلال على استخدامها لتبرير انتهاكاته المتكررة.
وخلال العدوان؛ دمرت قوات الاحتلال عشرات المنازل والمنشآت، مستخدمة جرافات عسكرية ضخمة في عمليات الهدم التي طالت معظم أحياء مخيم جنين.
كما شهدت المدينة استقدام تعزيزات عسكرية جديدة، مصحوبة بصهاريج وقود وخزانات مياه كبيرة، بالإضافة إلى نصب غرف ميدانية لجنود الاحتلال، في مؤشر على نية إسرائيلية لتمديد أمد العدوان وتحويل المنطقة إلى ساحة عسكرية دائمة.
وتسبب الاحتلال في تهجير قرابة ثلاثة آلاف عائلة فلسطينية بعد تدمير منازلها أو إحراقها، وهو ما يعدّ انتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري للسكان المدنيين تحت أي ظرف.
كما تم توثيق ممارسات ممنهجة لإغلاق المخيم بالكامل بالسواتر الترابية، وقطع الطرق المؤدية إليه، مما يزيد من معاناة السكان ويمنع وصول المساعدات الإنسانية.
ولم يقتصر العدوان على القتل والتدمير، بل امتد ليشمل حملات اعتقال تعسفية استهدفت الأطفال والشبان.
وأمس الثلاثاء؛ اعتقلت قوات الاحتلال طفلين قرب دوار يحيى عياش، إضافة إلى اعتقال شابين آخرين في وقت سابق من مدينة جنين. كما اقتحمت القوات قرية الطيبة غرب جنين، وحولت منازل ثلاث عائلات إلى ثكنات عسكرية بعد إجبار السكان على إخلائها، في انتهاك واضح للحقوق الأساسية المكفولة في القوانين الدولية.
وفي مشهد يعكس أساليب الاحتلال القمعية؛ حلّقت طائرات مسيرة مزودة بمكبرات الصوت في حي الجابريات القريب من المخيم، أمس الثلاثاء، موجهة تهديدات للسكان بإخلاء منازلهم تحت طائلة إطلاق الرصاص، بينما أطلق الجنود قنابل الغاز والرصاص الحي على المدنيين في مناطق مختلفة من المحافظة، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين، بينهم طفل أصيب بقنبلة غاز في يده خلال اقتحام بلدة ميثلون جنوب جنين.
وتستوجب هذه الانتهاكات الجسيمة تدخل المجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي على جنين، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم أمام المحاكم الدولية. فاستمرار سياسة العقاب الجماعي، والاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين، وتهجير السكان، تعدّ جميعها انتهاكات واضحة للقانون الدولي تستوجب إجراءات فورية لضمان حماية الشعب الفلسطيني ووقف الممارسات الإسرائيلية غير القانونية.
ومع دخول العدوان شهره الثاني؛ تظل الأسئلة المطروحة: إلى متى سيستمر هذا الصمت الدولي؟ وما هي العواقب القانونية التي ستواجهها إسرائيل نتيجة هذه الجرائم؟ وهل سيتحرك المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الانتهاكات أم أن الاحتلال سيواصل عدوانه بلا رادع؟