العراق: مخاوف من تنفيذ أحكام إعدام جائرة
حذرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا من مجزرة وشيكة الحدوث في صفوف المعتقلين العراقيين بعد تصديق رئاسة الجمهورية على تنفيذ أحكام إعدام المئات ممن تشوب محاكماتهم خروقات وانتهاكات قانونية جسيمة، كرد فعل انتقامي على التفجيرات الانتحارية التي شهدتها العاصمة بغداد الخميس الماضي وراح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين.
وأوضحت المنظمة أن المخاوف المرتبطة بتنفيذ أحكام الإعدام الجائرة تصاعدت بعد قيام السلطات بإعدام 3 معتقلين الاثنين 25 يناير/كانون الثاني من المحتجزين في سجن الناصرية المركزي، من سكان نينوى والأنبار وبابل، وجميعهم من السُنة، في إشارة واضحة إلى إن دوافع تنفيذ هذه الأحكام انتقامية وطائفية من الدرجة الأولى.
وذكرت المنظمة أن ما شهدته بغداد من تفجيرات إجرامية الخميس 21 كانون الثاني الجاري والتي راح ضحيتها 32 قتيلا وأصيب 110 على الأقل هو مؤسف بكل تأكيد، لكنه لا يمكن أن يكون مبررا لجرائم انتقامية عشوائية من قبل السلطات العراقية بتنفيذ أحكام إعدام ناتجة عن محاكمات وقوانين معيبة.
اضطهاد مذهبي
وكان الرئيس العراقي بعد يومين من الحادثة قد صدّق على إعدام 340 مدنياً، جميعهم من المحتجزين على خلفية المادة الرابعة من قانون الإرهاب، وهي مادة مثيرة للجدل كونها تشتمل على اتهامات فضفاضة، وعليه يستخدمها النظام العراقي في كثير من الأحيان في ملاحقة وتصفية خصومه ومعارضيه، ويؤجج بها الصراع المجتمعي والطائفي في العراق.
ونقلت المنظمة عن أحد محاميي المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام في إفادته “إن المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام تعرضوا لانتهاكات جسيمة منذ اعتقالهم، والذي مر عليه في بعض الحالات أكثر من خمس سنوات” وأضاف “الاعتقالات تمت بناء على وشاية من المخبر السري أو البلاغات الكيدية، وعلى الرغم من أن أغلب المتهمين من أماكن ومحافظات متفرقة لا تربطهم أي صلة، تم الزج بهم في قضايا باعتبارهم شركاء في ارتكاب أعمال عنف أو أعضاء في تنظيمات إرهابية، دون دليل”.
وأردف المحامي “تعرضوا جميعاً للاختفاء القسري لفترات طويلة، تخللها تعذيب وحشي تم على أيدي الأجهزة الأمنية داخل سجون سرية، لا زال الكثير منهم يقبع بداخلها حتى الآن محروماً من التواصل مع عائلته، ولكن في بعض الحالات يتم تسريب صور لبعض هؤلاء المعتقلين لابتزاز أسرته بدفع مبالغ مالية لأحد أفراد ضباط الأمن مقابل الإفراج عنهم”.
وتابع “بالإضافة إلى الانتهاكات الحقوقية والإنسانية، تعرض هؤلاء المعتقلين لانتهاكات قانونية تجعل محاكماتهم جائرة والأحكام الصادرة في حقهم أحكاماً باطلة، إذ لم يمكنوا من التواصل مع محامين وفق ما يقتضي القانون، كما ضُغط عليهم بأبشع الوسائل والتهديدات لانتزاع اعترافاتهم بتهم لم يقوموا بارتكابها، فضلاً عن أن بعض القضاة الذين نظروا القضايا الخاصة بهم تابعين للميليشيات الشيعية والتي بدورها استمرت في الضغط على رئيس الجمهورية للتوقيع على قرارات الإعدام كي لا يتم تصفيتهم من خلال المليشيات نفسها”.
وبحسب إفادة المحامي فإن جميع هؤلاء المعتقلين من السُنة، من محافظات الأنبار- صلاح الدين – ديالة – نينوا – التأميم – مناطق حزام بغداد، وهي محافظات ذات أغلبية سُنية، معروف أن النظام العراقي بمختلف سلطاته يمارس ضد أهاليها سياسات عنصرية وقمعية، ويتعرض المواطنون هناك لاضطهاد واضح منذ الغزو الأمريكي على العراق وتعاقب الحكومات الشيعية على البلاد.
أحكام الإعدام في العراق
وأضافت المنظمة أن العراق خلال الأربع سنوات الأخيرة صُنفت من أكثر البلدان تنفيذاً لأحكام الإعدام في العالم، حيث نفذ العام الماضي 30 حكماً، ليحتل بهذا المركز الرابع في أكثر البلدان تنفيذاً للإعدام بعد السعودية وإيران والصين، أما العام 2019 فقد شهد تنفيذ الإعدام في 100 شخص، بعد 13 تم إعدامهم في 2018، وهم الأشخاص الذين تم نشر صور شنقهم للمرة الأولى بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء آنذاك- حيدر العبادي.
وأكدت المنظمة أن السلطات العراقية تجدف في الاتجاه الخاطئ، فلا شك أن المخططين لهذه العمليات ومنفذيها ليسوا داخل السجون حالياً، ولا هم من المعتقلين ولا المحكوم عليهم بالإعدام بل هم أحرار طلقاء، أمامهم فرصة أكبر لتنفيذ عدد آخر من الهجمات الإرهابية بعد انشغال الحكومة عنهم وتحويل مدافعها ضد أشخاص هي على يقين أنهم أبرياء من تلك التهم، لاسيما وأن الأحكام الصادرة ضدهم لم تستند على أي دليل إدانة.
وشددت المنظمة أن مسألة حماية حقوق الإنسان وضمان احترام سيادة القانون تسهم في حـد ذاتها في مكافحة الإرهاب، وبالمقابل يمكن لانتهاك حقوق الإنسان وتسييس القضاء أن يأتي بعكس النتيجة المرجـوة لأنه يُسهم في تهيئة الظروف المفضية إلى انتشار الإرهاب وزيادة الاحتقان المجتمعي والرغبة في الانتقام، مما سيشكل تهديدا مباشر للبلاد.
وطالبت المنظمة المجتمع الدولي والجهات الأممية ذات الصلة بالتدخل العاجل واتخاذ الإجراءات اللازمة للضغط على النظام العراقي لوقف تنفيذ أحكام الإعدام، كونها صادرة عن منظومة قضائية مسيسة وغير موثوقة.