تشكل قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
حملت الصور المتداولة للقيادية الفلسطينية خالدة جرار قبل اعتقالها وبعد الإفراج عنها رسائل مؤثرة؛ إذ تظهر قبل اعتقالها بوجه نضر يعكس نشاطها السياسي والاجتماعي، بينما تكشف الأخرى عن التغير الجسدي الذي أصابها نتيجة ظروف الاعتقال القاسية: شعرها الأبيض، وجهها الشاحب، ونحافتها التي توحي بسنوات من الإهمال الطبي والإذلال المتعمد.
وليس هذا التباين بين الصورتين مجرد تغير جسدي، بل شهادة بصرية على انتهاكات الاحتلال التي تستهدف إنسانية الأسرى وتحاول كسر معنوياتهم، دون أن تنجح في كسر إرادتهم.
وتم الإفراج عن خالدة جرار ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تضمن تبادل الأسرى بين الاحتلال وغزة، حيث أُطلق سراح 90 أسيرة وطفلاً فلسطينياً مقابل 3 إسرائيليات.
وأكدت جرار التي قضت 6 أشهر في العزل الانفرادي قبل الإفراج عنها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، أن الظروف الحالية للأسرى الفلسطينيين هي “الأقسى منذ عام 1967”.
وأوضحت في تصريحات إعلامية أن الاعتداءات الجسدية والنفسية بحق الأسرى والأسيرات باتت منهجية، وأن سياسات الإذلال تشمل استخدام الغاز، تقليل كميات الطعام ونوعيته، والعزل الانفرادي المطول.
وأشارت جرار إلى أن هذه السياسات تأتي في ظل تصعيد واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية، حيث وصفت وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير بأنه “يتعامل مع الأسرى وكأنهم ليسوا بشراً”.
ويعد الاعتقال الإداري أحد أبرز أشكال الانتهاك الذي يمارس ضد الفلسطينيين، بما في ذلك جرار التي اعتقلت دون توجيه تهم واضحة أو محاكمة عادلة.
كما تشمل الانتهاكات حرمان الأسرى من زيارات ذويهم، مصادرة ممتلكاتهم الشخصية، واستهدافهم المتكرر بالضرب والتعذيب النفسي.
وتتعارض هذه الممارسات مع أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تضمن حقوق الأسرى في المعاملة الإنسانية، والحماية من التعذيب، والحق في تلقي الرعاية الطبية.
وتعكس قصة خالدة جرار وعذاباتها داخل السجن الواقع اليومي لعشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين. ومن الضروري أن تصبح الصور التي جسدت معاناتها حافزاً للمنظمات الحقوقية الدولية للتحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
تعتبر كرامة الأسرى الفلسطينيين جزءاً لا يتجزأ من كرامة الشعب الفلسطيني بأسره. وإن استمرار هذه الانتهاكات يستدعي مزيداً من الجهود الوطنية والدولية لفضح سياسات الاحتلال والانتصار للعدالة. فالأسرى الفلسطينيون ليسوا أرقاماً، بل قصص معاناة وصمود يجب أن تبقى حاضرة في الوعي الإنساني حتى تحقيق الحرية.