يواصل النظام التونسي عقد المحاكمات ذات الطابع السياسي، وإصدار الأحكام المجحفة، بهدف التنكيل بمعارضيه السلميين، دون أدنى التزام بالمعايير القضائية السليمة.
وفي هذا السياق؛ أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس، من خلال دائرتها الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب، حكماً بالسجن لمدة 34 عاماً ضد رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس حركة النهضة علي العريض، وذلك في ما بات يُعرف إعلامياً بـ”قضية التسفير إلى بؤر التوتر”.
كما شملت الأحكام القضائية مسؤولين أمنيين سابقين هما فتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي، حيث حُكم عليهما بالسجن لمدة 26 عاماً لكل منهما، في سياق القضية نفسها.
وقد خلّفت هذه الأحكام صدمة كبيرة في الأوساط الشعبية التونسية، لا سيما في ظل تراجع ضمانات المحاكمة العادلة، وتزايد الدلائل على تغوّل السلطة التنفيذية على المؤسسة القضائية.
ويُبقي الملف الذي أُدين به العريض أكثر من علامة استفهام قائمة حول الأدلة الفعلية، وطريقة جمعها، ومدى التزام الإجراءات القضائية بالمعايير التي تضمن الحق في محاكمة عادلة. فالقضايا التي تحمل طابعاً حساساً ويتم تسويقها قضائياً دون تمكين المتهمين من الدفاع عن أنفسهم بشكل حقيقي، هي قضايا تفقد مصداقيتها حتى قبل صدور الأحكام.
وقد أكدت هيئة الدفاع عن العريض أن التهم المنسوبة إليه لا تستند إلى معطيات واقعية موثوقة، وأن القضية تفتقر إلى الحد الأدنى من الأسس القانونية. كما نبّهت إلى حملة إعلامية سابقة صدرت بحق موكّلها، اعتُبرت تمهيداً لتشكيل رأي عام سلبي يضغط على المحكمة ويؤثّر في القرار القضائي. ويبدو أن مثل هذا الاستخدام الرمزي للقضاء لا يسهم سوى في المزيد من التآكل للمؤسسات، وتعميق الشعور العام بانعدام العدالة.
إن إصدار أحكام بهذه القسوة وفي هذا التوقيت ليس مجرد فعل قضائي، بل هو مؤشر خطير على انزلاق البلاد نحو نمط من الممارسات التي تُستخدم فيها مؤسسات الدولة لتقييد الحقوق، وفرض سردية لا تقبل المراجعة أو المساءلة.
حين يتحول القضاء من سلطة مستقلة إلى أداة تُستعمل في ملفات معينة دون أخرى؛ فإن ذلك يفتح الباب أمام انهيار الثقة بالمؤسسات، ويزرع الخوف في بيئة يُفترض أن تكون قائمة على حماية الحقوق لا على تقويضها.