أقدمت السلطات الكويتية على إصدار ثلاثة مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 24 شخصًا ومن يرتبطون بهم بالتبعية، وفي مقدمتهم الداعية الإسلامي المعروف طارق السويدان.
ويأتي ذلك ضمن موجة متصاعدة رفعت عدد من سُحبت منهم الجنسية إلى نحو 33 ألف حالة خلال أقل من عام، في خطوة تُشير بوضوح إلى تحوّل ملف الجنسية من إطار قانوني إلى سلاح إداري يُستخدم بطريقة غير متناسبة وغير خاضعة للرقابة القضائية المستقلة.
وانضمّ السويدان إلى قائمة طويلة تضم نوابًا سابقين، وسفراء، وقيادات عسكرية، وشخصيات إعلامية وفنية ورياضية. والقاسم المشترك بينهم ليس “الغش” أو “التزوير” كما يُروَّج رسمياً، بل مواقف سياسية أو فكرية لا تنسجم مع توجّهات السلطات. وهو ما يجعل قرارات السحب تبدو أقرب إلى عقوبات سياسية مُغلّفة بنصوص قانونية تُستخدم بانتقائية واضحة.
ويُعد السويدان شخصية عامة ذات حضور فكري بارز، ومحسوب على التيار الإسلامي الحركي، ويمتلك سجلًا طويلاً في العمل الدعوي والإعلامي. وتاريخ خلافه مع السلطات في الخليج – خصوصًا بعد موقفه الرافض للانقلاب العسكري في مصر عام 2013 – يجعل من قرار سحب جنسيته خطوة ذات دلالات سياسية لا تخفى.
فإسقاط الجنسية عنه لا يمكن قراءته بوصفه إجراءً “إداريًا” بحتًا، بل كآلية لفرض الصمت وتأديب المعارضين وتكريس رسالة مفادها بأن الهوية القانونية للمواطن ليست حقًا راسخًا، بل امتيازًا قابلًا للسحب عند الاختلاف السياسي.
وتستند الحكومة إلى مواد فضفاضة في قانون الجنسية، وتحديدًا المادة 13 التي تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات شبه مطلقة في سحب الجنسية بحجة “مصلحة الدولة العليا” أو “الانتماء لهيئة سياسية أجنبية” أو “الترويج لأفكار تقوّض النظام”.
وتفتح هذه العبارات، بصيغتها الواسعة غير المنضبطة، الباب أمام تفسير سياسي بحت، وتتيح معاقبة أشخاص لمجرد انتماءاتهم الفكرية أو آرائهم العلنية، دون الحاجة إلى إثبات جرم فعلي أو إصدار حكم قضائي مستقل.
ويُعتبر سحب الجنسية من أخطر الإجراءات التي يمكن للدولة أن تتخذها ضد الفرد. فهو يمسّ حقه في الهوية القانونية، وحقه في الإقامة والعمل والتنقل، ويمسّ أسرته الذين يُسقطون بالتبعية دون ذنب. وهو عقوبة تُقارن في نتائجها بالعقوبات الكبرى مثل السجن المؤبد أو الإبعاد القسري، لكن دون المرور بإجراءات المحاكمة العادلة أو الضمانات القضائية.
ويكشف قرار سحب جنسية السويدان بهذه الطريقة خللًا هيكليًا في منظومة المواطنة بالكويت، إذ تتحول الجنسية من رابطة قانونية ثابتة إلى أداة ضغط تُمارس على المعارضين، وتُستخدم لردع أي خطاب فكري أو سياسي خارج ما تراه الدولة إطارًا مقبولاً.
والأخطر أن هذه الممارسات تخلق بيئة من الخوف الذاتي بين المواطنين، وتحوّل التعبير الحر والانتماء الفكري والسياسي إلى أفعال محفوفة بالمخاطر، وهو ما يناقض بشكل صريح أبسط مبادئ العدالة الدستورية وحقوق الإنسان.
إن سحب جنسية السويدان ومن معه لا يمكن فصله عن سياق سياسي أوسع، يتجه نحو تضييق مساحات التعبير وشيطنة الانتماءات الفكرية المخالفة. وهو إجراء يمسّ مبدأ المواطنة على نحو خطير ويحوّلها إلى ملف إداري يقوم على المزاج السياسي لا على القانون.
ومع استمرار موجة السحب دون رقابة قضائية حقيقية؛ تبدو الحاجة ملحّة لمراجعة جذرية لهذا النهج، وضمان أن تظل الجنسية حقًا قائمًا على المساواة والعدالة، لا أداة عقاب ضد المواطنين بسبب أفكارهم أو مواقفهم.



























