في مشهد يعكس أهوال حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يجد ملايين المدنيين أنفسهم في صراع يومي من أجل البقاء، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية وحرمان متعمد من أساسيات الحياة.
وعلى رأس هذه الكارثة، تبرز أزمة المياه بوصفها إحدى أدوات الإبادة، حيث يُستخدم العطش كسلاح لإخضاع السكان المدنيين، في انتهاك فج لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وفي بيان حديث، أفاد صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، أن ما بين 65 إلى 70 بالمئة من نظام المياه في غزة قد دُمّر نتيجة القصف المتكرر من قبل الاحتلال، ما جعل إيصال المياه عبر الأنابيب إلى السكان أمرًا مستحيلاً.
وقد وصف الصندوق الوضع الإنساني بالكارثي، حيث اضطر عمال الإغاثة إلى نقل المياه عبر الشاحنات، إلا أن شحّ الوقود الناتج أيضًا عن الحصار الخانق، أدى إلى توقف عمليات التوزيع.
وأكد المتحدث باسم اليونيسف، جوناثان كريكس، أن الأطفال هم أول ضحايا هذه الحرب، قائلًا: “نشهد يوميًا مشاهد تفطر القلب لأطفال مزّقهم الجوع وقتلهم العطش، يمشون كيلومترات من أجل قطرة ماء أو لقمة طعام”.
وأضاف أن “90 بالمئة من العائلات تعاني في الحصول على مياه الشرب، حتى إن بعض الأسر غير قادرة على تنظيف طفل رضيع أو تغيير ملابسه”.
وانخفض معدّل استهلاك المياه للفرد إلى حوالي 3 لترات يوميًا، وهو ما يمثل خمس الحد الأدنى الذي حددته الأمم المتحدة للبقاء، والمقدر بـ15 لترًا.
وتحمّل المواثيق الدولية سلطات الاحتلال المسؤولية المباشرة، بوصفها قوة احتلال تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر استهداف البنية التحتية المدنية أو استخدام التجويع والعطش كأدوات حرب.
ويدير الاحتلال شبكة المياه التي كانت تزود غزة بـ70 بالمئة من احتياجاتها، إلا أن هذه الشبكة دُمّرت بالكامل خلال تصعيد نيسان/أبريل الماضي. كما تسببت الحرب في توقف محطات التحلية التي كانت تؤمّن 7 بالمئة من المياه، بعد نضوب وتلوث المياه الجوفية، ما زاد الوضع تفاقمًا.
وفي ضوء هذا الواقع، يتوجب التأكيد على أن ما يجري في غزة يرتقي إلى جريمة إبادة جماعية، ليس فقط بسبب العدد الهائل من القتلى والدمار، بل أيضًا بسبب التدمير الممنهج للوسائل التي تضمن استمرار الحياة، كالماء، والغذاء، والرعاية الصحية، وهو أحد الأركان المحددة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
وفي المقابل، تواصل الجهات الدولية الصمت أو العجز أمام ما وصفه مفوضو الأمم المتحدة بـ”الانهيار الكامل للمعايير الإنسانية”، في وقت لا تزال فيه الأصوات تتعالى لوقف العدوان فورًا، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الجسيمة.