جددت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” دعوتها العاجلة لرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، مؤكدة أن استمرار منعه للمساعدات يعمّق المجاعة المتفشية في أوساط السكان، ويشكّل تهديداً وجودياً لحياة الملايين، في إطار سياسة ممنهجة للتجويع الجماعي.
وقالت الوكالة عبر منصة “إكس”، إنها تتلقى “رسائل يائسة عن المجاعة من غزة، بما في ذلك من زملائنا”، مشيرة إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت أربعين ضعفاً، نتيجة الحصار المحكم المفروض منذ شهور.
وأكدت أن لديها في مخازنها القريبة من غزة كميات غذاء كافية لتغطية احتياجات السكان لأكثر من ثلاثة أشهر، لكنها ممنوعة من إيصالها.
ودعت الأونروا بوضوح إلى “رفع الحصار” و”إدخال المساعدات بأمان وعلى نطاق واسع”، محملة الاحتلال مسؤولية مباشرة عن حرمان سكان القطاع من الغذاء والدواء، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، ومبادئ حقوق الإنسان.
من جانبه، قال المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني إن التقاعس الدولي في الضغط على الاحتلال للسماح بدخول المساعدات يمثل “تواطؤاً” في جريمة تجويع الفلسطينيين.
ونشر لازاريني رسالة نموذجية من موظفي الوكالة في غزة جاء فيها: “أبحث عن طعام لأطفالي، لكن لا أجد شيئا”.
ووصف المسؤول الأممي ما يحدث بأنه “صنع بشري”، يتم تحت غطاء من الإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل، مؤكداً أن الوضع الميداني في القطاع يزداد كارثية يوماً بعد يوم، وسط انهيار كلي للمنظومة الإنسانية.
استهداف من ينتظر المساعدات
وفي سياق متصل، أعرب برنامج الأغذية العالمي عن صدمته من استهداف الاحتلال فلسطينيين تجمعوا للحصول على مساعدات غذائية، في حادثة دامية أسفرت عن مقتل 73 شخصاً، وإصابة أكثر من 150، الأحد، شمال القطاع.
وقال البرنامج في بيان إن قافلة له مؤلفة من 25 شاحنة، دخلت من معبر زكيم الخاضع لسيطرة الاحتلال، وكانت تحمل مساعدات غذائية طارئة، لكن بعد تجاوز نقطة التفتيش الأخيرة، واجهت الحشود المحتشدة على الطريق نيراناً مباشرة من دبابات وقناصة الاحتلال.
وأكد البرنامج الأممي أن المدنيين كانوا “يحاولون فقط الحصول على ما يكفي من الغذاء لأنفسهم ولأسرهم للبقاء على قيد الحياة”، مشدداً على أن “أي عنف ضد المدنيين أمر غير مقبول إطلاقاً”، وأن “الظروف التي تُنفذ فيها عمليات الإغاثة باتت شديدة الخطورة”.
وسلّط برنامج الأغذية العالمي الضوء على تفاقم أزمة الجوع في غزة، مشيراً إلى أنها وصلت إلى “مستويات غير مسبوقة”، وأن “الناس يموتون بسبب نقص المساعدات، ويتدهور الوضع الصحي وسوء التغذية بسرعة مرعبة”.
وقال البرنامج إن نحو 90 ألف امرأة وطفل بحاجة إلى علاج فوري، وإن ثلث سكان القطاع يعانون من انعدام كامل للغذاء، بينما وصل سعر كيلوغرام الدقيق إلى ما يزيد على 100 دولار، ما يجعل المساعدات السبيل الوحيد للبقاء.
“الموت الجماعي” يطرق أبواب غزة
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت الأحد أن 86 فلسطينياً بينهم 76 طفلاً قضوا بسبب الجوع وسوء التغذية منذ بدء سياسة التجويع الممنهج.
كما حذر المكتب الإعلامي الحكومي من أن القطاع بات على أعتاب “الموت الجماعي”، بعد أكثر من 140 يوماً من إغلاق المعابر ومنع المساعدات.
ومنذ 2 مارس/آذار 2025، يواصل الاحتلال إغلاق جميع معابر غزة، رافضاً الالتزام بأي اتفاق لوقف إطلاق النار أو تبادل للأسرى، وممعناً في فرض الحصار الخانق، رغم تكدس آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات على الحدود.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرب إبادة جماعية على قطاع غزة تشمل القتل والقصف والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متحدياً النداءات الأممية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العدوانية.
وقد أسفرت الحرب، بدعم عسكري وسياسي أمريكي، عن مقتل وإصابة نحو 200 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقدان أكثر من 9 آلاف شخص، وتشريد مئات الآلاف، فضلاً عن دمار شامل للبنية التحتية، وحرمان أكثر من 1.5 مليون إنسان من المأوى.
إن ما يجري في غزة هو جريمة ضد الإنسانية تتم بسبق الإصرار والترصد، وبتواطؤ دولي وصمت عربي، ولا يمكن تبريره أو السكوت عنه تحت أي ذريعة، فالحرب على القطاع لم تعد مجرد أزمة إنسانية، بل إبادة جماعية موصوفة، يهدد استمرارها بتقويض أسس النظام الدولي كله.