المفصولون تعسفياً من “الخارجية السودانية”
مع استمرار معاناتهم جراء التعنت الحكومي؛ تقدم المفصولون تعسفيا من وزارة الخارجية السودانية، بمذكرة شاملة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان حول الانتهاكات الجسيمة والمستمرة التي يتعرضون لها.
وقدموا أيضا شكوى إلى منظمة العمل الدولية ضد حكومة السودان الانتقالية حول الموضوع ذاته، والذي قالوا إنه يمثل تحدياً صارخاً لعدد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق العمال، والتي سبق أن صادق عليها السودان وأصبحت جزءا من أحكام وثيقته الدستورية.
فصل تعسفي وتطهير سياسي
وطالبت المذكرة الموجهة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، بالتدخل لدى حكومة السودان وحثها على حماية واحترام حقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات الخاصة بالحقوق الدستورية غير القابلة للتصرف؛ بما في ذلك الفصل التعسفي والتطهير السياسي لموظفي الخدمة المدنية.
وأوضحت أن فصل 32 سفيراً وفقاً لقرار لجنة إزالة التمكين رقم 426 بتاريخ 10 ديسمبر 2020 يُعد إمعانا وتمادياً في الانتهاكات، الأمر الذي يخالف الوثيقة الدستورية ويتعارض مع تعهدات السودان الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وطالب مفصولو وزارة الخارجية، مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالسودان، بإخطار المفوض السامي بإصرار حكومة السودان الانتقالية على التمادي في ارتكاب هذه الانتهاكات، وعدم احترامها لتعهدات وصكوك حقوق الإنسان الدولية التي انضمت إليها بموجب صكوك المصادقة النهائية.
ودعوا أيضا إلى تضمين هذه الانتهاكات في تقرير المفوض السامي أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته القادمة وفي الدورة 48 حسب قرار المجلس الصادر حول هذا الصدد، وحث الأعضاء على إدانة هذه الانتهاكات في مداولات الاستعراض الدوري الشامل لتقرير السودان التي ستعقد بجنيف في الفترة المقبلة.
وبحسب مفصولي “الخارجية”؛ فإنه منذ إنشاء المكتب القُطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في البلاد في 16 يوليو/تموز 2020، وبدء عمله الفعلي على الأرض؛ لم تشهد أوضاع حقوق الإنسان في السودان أي تقدم يُذكر، “بل شهدنا مزيدا من الانتهاكات للحقوق الأساسية والدستورية للمواطنين”.
الحقوق الدستورية للعمال والموظفين
وفي شكواها لمنظمة العمل الدولية؛ أشارت لجنة مفصولي وزارة الخارجية إلى أن حكومة السودان الانتقالية تحرم الموظفين لشبهات الرأي السياسي؛ بما يتعارض مع اتفاقية منظمة العمل (111) لعام 1958.
وأوضحت اللجنة أنه “إضافة لمخالفة الحكومة نص الاتفاقية؛ فإن قرارات الفصل التعسفي تتعارض أيضاً مع أحكام الوثيقة الدستورية، وخاصة الفصل 14 المادة 42/2 التي تؤكد أن جميع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان تُعد جزءاً لا يتجزأ من أحكام الوثيقة الدستورية، وكذلك المادة (43) من الوثيقة الدستورية التي تؤكد احترام والتزام حكومة السودان بحماية الحقوق الدستورية للمواطنين دون تفريق في اللون والعرق والرأي السياسي والوضع الاجتماعي”.
وطالبت اللجنة منظمة العمل الدولية بالتحقيق في عدم امتثال حكومة السودان لبنود الاتفاقية، وتحريك جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك تكوين لجنة تقصي حقائق وقفا للمادة 26/2 من دستور منظمة العمل الدولية لعدم الامتثال، وتفريطها في حقوق العمال والموظفين، والفشل في حمايتهم من قرارات الفصل التعسفي لشبهة الرأي السياسي، وكذلك تمادي الحكومة الانتقالية في انتهاك وإهدار حقوق الموظفين والعمال الدستورية غير القابلة للتصرف.
وأشارت إلى أنها كانت قد سلمت مذكرة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة الانتقالية (يونتامس) في 9 مارس/آذار الجاري، وذلك استنادا على تفويض مجلس الأمن البعثة لمتابعة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان وترسيخ حكم القانون.
وطالبت اللجنة البعثة الأممية بالتدخل الفاعل والعادل لدى حكومة السودان لإيقاف مجازر الفصل الجماعي وإنصاف المتضررين، وتعويضهم مادياً وأدبياً، ومحاكمة المتورطين في هذه الانتهاكات.
وأبدت استغرابها من “خلو تقرير الأمين العام لمجلس الأمن الأخير من أي إشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، مما جعل الحكومة الانتقالية تتمادى في ارتكاب مزيد من الانتهاكات تحت رقابة وحماية الأمين العام للأمم المتحدة، وتحت نظر ومراقبة بعثته السياسية الأممية في السودان، مما يجعلها شريكة جزئياً في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تحدث حاليا”.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل التعسفي الذي تعرض له السودانيون لم يقتصر على وزارة الخارجية؛ فقد أقدمت ما تسمى بـ”لجنة إزالة التمكين” الحكومية على إنهاء خدمات مئات الموظفين العاملين بمؤسسات الدولة، بزعم حصولهم على وظائفهم من قبل نظام عمر البشير “دون وجه حق”.
ونددت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بانتهاكات الحكومة السوداني، مستهجنة في بيانات سابقة الاعتقالات التي تمارسها بحق ناشطين سياسيين أو صحفيين، أو أشخاص بسبب انتمائهم الفكري والسياسي.
وأضافت أن هذه الانتهاكات جزء من أزمة أوسع نطاقاً لحقوق الإنسان في السودان، حيث باتت حرية الرأي والتعبير جريمة ممنوعة، ويعاقب ذوي الرأي المخالف بالاعتقال والفصل من الوظيفة ومصادرة الأموال.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف جاد ضد الموجة الراهنة من الاعتقالات للخصوم السياسيين، وضد حرمان المعتقلين من حقهم في المحاكمة العدالة وضمان وفاء السودان بالتزاماته فيما يتعلق بحقوق الإنسان على نحو كامل، وإلغاء كافة القرارات والقوانين التي تم سنها لعقاب مجموعة من المواطنين لمجرد آرائهم السياسية المعارضة.
ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش و”قوى إعلان الحرية والتغيير”.