في حادثة أعادت إلى الواجهة تساؤلات موجعة عن ممارسات التحقيق في مراكز التوقيف الأردنية؛ توفي الشاب المهندس أحمد الإبراهيم بعد يوم واحد فقط من توقيفه في مركز أمن الرمثا، في ظروف وصفتها أسرته بأنها تنطوي على تعذيب وإهمال طبي أدى إلى مقتله.
وبحسب المعلومات المتداولة على لسان أقاربه عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد تم توقيف الإبراهيم يوم أمس، ثم نُقل إلى المستشفى بعد شكواه من آلام في البطن، وأُعيد بعدها إلى النظارة، ثم أعيد للمستشفى ثانيةً، ليُرجع مرة أخرى إلى الحجز رغم تدهور حالته. وفي نقله الثالث إلى المستشفى، كان قد دخل في حالة حرجة، وفارق الحياة بعد ذلك بساعات.
وأكد تقرير الطب الشرعي الذي شكّل صدمة للرأي العام، وجود كدمات في منطقة البطن، أدّت إلى ثقب في الأمعاء الدقيقة، مما تسبب في تسمم تجويف البطن ونشوء التهاب قاتل أدى إلى الوفاة. كما بيّن وجود كسر في الأنف، وكسر في عظمة حجرة العين، ما يؤشر إلى عنف جسدي شديد تعرض له الشاب خلال فترة احتجازه.
من جهته؛ أكد السفير عبدالله عفيشات العجارمة، رئيس المرصد الوطني الأردني لحقوق الإنسان، في تصريحات مصورة أن الإبراهيم تعرض لما وصفه بـ”الاعتداء الوحشي الآثم” من قبل أفراد في إدارة مكافحة المخدرات أثناء وجوده في مكتب التحقيق.
وقال العجارمة إن “الإبراهيم تعرض للضرب والإهانة والكدمات، وصورناه تصويراً كاملاً، وثبتنا قبل دفنه الإصابات؛ إصابة بمؤخرة المسدس، وضربة على العين، وتكسير للأسنان، وكسر للأنف، وضربات على الخواصر والمعدة.. إنها حالة اعتداء وحشي”.
وأضاف: “كان بالإمكان التعامل معه بطريقة حضارية؛ فهو شاب مهندس دارس ومتعلم، وإن كان هناك خطأ، فكان يمكن التحقق منه، لا قتله”، متسائلا: “أين هي المضبوطات؟ وأين المبرر الذي يسوغ كل هذا العنف؟”.
وتعيد تصريحات العجارمة، وما أظهره التقرير الطبي، فتح ملف التعذيب في مراكز التوقيف الأردنية، الذي لطالما نفته السلطات أو بررته باعتباره حالات فردية. غير أن نمط الانتهاكات، وتكرار السيناريو ذاته مع محتجزين آخرين، يشير إلى وجود مشكلة بنيوية عميقة في منظومة التحقيق والحجز، تبدأ من الإفلات من العقاب، وتنتهي في قاعات الطوارئ والمشارح.
إن ما حدث للمهندس أحمد لا يمكن فصله عن سياق أوسع من انتهاك الحق في الحياة، وسلامة الجسد، والمعاملة الكريمة، وهي حقوق أساسية كفلتها الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية التي التزم بها الأردن، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب.
وتطرح رواية الوفاة المتأخرة بعد ثلاث زيارات للمستشفى، وغياب أي تفسير واضح لإعادته إلى النظارة رغم حالته الصحية، تساؤلات خطيرة عن سوء المعاملة والإهمال الطبي المقصود، وهو ما قد يرقى قانوناً إلى وصف القتل العمد تحت التعذيب، خاصة في ظل وجود كدمات موثقة أدت إلى الوفاة المباشرة.
وفي حين تنتظر الأسرة تحقيقاً جاداً وشفافاً، لا تزال الرواية الرسمية غائبة، ولا توجد حتى اللحظة مؤشرات على فتح تحقيق مستقل. وفي هذه الأثناء، يستمر الرأي العام الأردني في متابعة القضية تحت وسم: #العدالة_لأحمد_الإبراهيم، مطالباً بمحاسبة جميع المتورطين، وتجريم التعذيب بشكل فعّال، لا نظري.