قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن السلطات الأردنية ضاقت ذرعًا بالمظاهرات والفعاليات المنددة بالإبادة الجماعية، فأوعزت للأجهزة الأمنية باختلاق سيناريو أمني من خلال تلفيق اتهامات لأشخاص تم عرضها على شكل “اعترافات” في وسائل الإعلام المحلية، تزعم أن المتهمين يستهدفون أمن الأردن.
وأضافت المنظمة أنه منذ عرض هذه الاعترافات، لم تخرج المظاهرات التي اعتادت الفعاليات تنظيمها أسبوعيًا، إذ إن الحملة المضللة التي بثتها وسائل الإعلام أحدثت شرخًا حادًا في المجتمع، ونشرت الخوف في أوساط النشطاء، حيث بات يُخشى أن كل من يخرج للتضامن أو للاحتجاج على الإبادة قد تُلفق له تهم، أو يُستهدف في عمله ووظيفته.
وأشارت المنظمة إلى أن المظاهرات والاحتجاجات في الأردن على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال تكتسي أهمية بالغة، نظرًا لكون الأردن من دول الجوار المباشر لفلسطين، وتُعد الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الغضب الشعبي الذي يقلق الاحتلال وحلفاءه، ويشكّل عامل ضغط من أجل وقف الإبادة.
وبيّنت المنظمة أن الأردن تعرض لضغوط من الاحتلال وحلفائه، ومن الأطراف المطبّعة، لإنهاء هذه الحالة، باعتبارها الاستثناء الوحيد في دول الجوار، وواحدة من الدول القليلة في العالم العربي التي ما زالت تنطلق فيها مظاهرات وفعاليات شعبية ضد الإبادة.
ولفتت المنظمة إلى أن المسلسل الأمني الذي فبركته أجهزة الأمن الأردنية في سياق سعيها لوأد الحراك الشعبي المتضامن مع غزة لم يتوقف عند حدود التشويه الإعلامي، بل انسحب أثره على المسار القضائي، حيث أصدرت محكمة أمن الدولة، وهي محكمة استثنائية تفتقر إلى الاستقلال الكامل، أحكامًا قاسية بالسجن بحق عدد من المعتقلين، متماهية بشكل كامل مع الرواية الأمنية التي تم تسويقها مسبقًا في وسائل الإعلام، في مشهد يعكس تسييسًا فاضحًا للقضاء، واستخدامه كأداة لتصفية الخصوم السياسيين وترهيب المجتمع. وقد جاءت تلك الأحكام بعد أن كانت الجهات الرسمية قد استبقت القضاء بإعلان الإدانة، في انتهاك صريح لمبدأ المحاكمة العادلة واستقلال السلطة القضائية.
وذكرت المنظمة أن بثّ الاعترافات المجتزأة للمعتقلين، في نشرات الأخبار وعلى المنصات الرسمية، قُدّم كإدانة نهائية مسبقة، متضمّنًا معلومات لم تُعرض في التحقيقات ولا وردت في لائحة الاتهام القضائية، في أسلوب تهييجي يُقصد به النيل من سمعة المعتقلين وتشويه صورتهم أمام الرأي العام، قبل أي حكم قضائي. ورغم أن هذه الممارسات كانت سابقًا تمثل اعتداءً مباشرًا على مبدأ قرينة البراءة وسرية التحقيق، فإن القضاء لاحقًا، عبر محكمة أمن الدولة، أضفى عليها غطاءً قانونيًا من خلال أحكامه التي جاءت لتؤكد الرواية التي بثتها الأجهزة الأمنية مسبقًا، وهو ما يعزز القناعة بأن القضاء قد تم توظيفه لخدمة أهداف سياسية، بعيدًا عن مقتضيات العدالة
وأشارت المنظمة إلى أن تبعات هذه الممارسات لا تتوقف عند حدود المعتقلين أنفسهم، بل تمتد لتطال أسرهم بشكل مباشر، حيث ألحقت الحملة الإعلامية الموجهة أضرارًا اجتماعية ونفسية بعائلاتهم، وعرّضتهم لضغوط متواصلة، ووصم مجتمعي خطير، قد يترك آثارًا بعيدة المدى على حياتهم المهنية، ووضعهم القانوني، ومكانتهم في المجتمع، في مشهد يعكس منهجية في العقاب الجماعي خارج أي إطار قانوني أو أخلاقي.
ورغم أن النظام الأردني أعلن مرارًا دعمه للشعب الفلسطيني، إلا أن الممارسات الفعلية على الأرض تشير إلى عكس ذلك تمامًا، حيث بات التضامن مع غزة يُعامل كجريمة، وتحولت الساحات العامة إلى فضاء خاضع للرقابة والملاحقة، وجرى تفكيك المبادرات الشعبية التي سعت إلى دعم صمود الغزيين تحت الحصار والقصف، في تناقض فاضح مع ما تدّعيه الدولة من مواقف سياسية.
وشددت المنظمة على أن هذه السياسات تتجاوز حدود تقييد حرية التعبير، لتصبح مشاركة فعلية في معاقبة الضحايا بدلًا من مساندتهم، وتخلق بيئة خانقة تسمح بالتعدي على الحقوق تحت غطاء أمني أو قضائي، وتُقوّض أسس القانون لحساب اعتبارات سياسية ضيقة. وتحمل المنظمة الحكومة الأردنية، وعلى رأسها رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية والقضائية، المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات، وما قد يترتب عليها من أذى نفسي واجتماعي وقانوني للمعتقلين وأسرهم.
وتدعو المنظمة الجهات الأممية المعنية بحرية التعبير واستقلال القضاء، وعلى رأسها المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين، إلى متابعة القضايا المتعلقة بالتضامن مع القضية الفلسطينية باعتبارها نموذجًا متكاملًا لنهج قمعي يتسع في الأردن منذ بدء العدوان على غزة، ويشمل التضييق على الحريات العامة، وملاحقة المتظاهرين، والتشهير بالمعتقلين، وتوظيف القضاء والإعلام لتجريم التضامن الشعبي.