أصدرت محكمة تونسية حكماً بالسجن 14 عاماً بحق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، فيما عُرفت بقضية “التآمر على أمن الدولة 2″، ضمن سلسلة قضايا يلاحَق فيها عشرات السياسيين والنشطاء في تونس، في حالة من توظيف القضاء كأداة لتصفية الخصوم السياسيين.
وتم الإعلان عن الحكم من قبل الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، التي أدانت أيضاً شخصيات أخرى من الأمن والسياسة بالسجن لمدد تراوحت بين 12 و35 عاماً، بينهم رئيسا أجهزة أمنية سابقان وقياديون من حركة النهضة، بالإضافة إلى صدور أحكام غيابية بحق متهمين فارين، من بينهم نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي السابقة، ومعاذ الغنوشي، نجل راشد الغنوشي.
وأعلنت هيئة الدفاع عن الغنوشي رفضها القاطع للحكم، مشيرة إلى أن الجلسة انعقدت عن بعد، وأن موكلها امتنع عن الحضور احتجاجاً على “غياب أدنى شروط المحاكمة العادلة”، كما قالت إن القضية اعتمدت على “وشاية من شاهد سري محجوب الهوية”، لم يقدم، بحسبها، أي دليل ملموس يدين الغنوشي.
وشهدت القضية التي انطلقت في مايو 2024 تأجيلات متكررة حتى صدور الحكم في 8 يوليو الجاري، تشمل نحو 20 متهماً يواجهون تهماً ثقيلة مفبركة، مثل: “تكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، ومحاولة قلب نظام الحكم”.
ومنذ 25 يوليو 2021، تشهد تونس تحولاً عميقاً في بنيتها السياسية، عقب إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءات استثنائية شملت حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وإصدار تشريعات رئاسية، وفرض دستور جديد، في خطوات مثلت انقلاباً على الديمقراطية الناشئة، ونكوصاً نحو حكم الفرد.
وفي السياق ذاته؛ باتت المحاكمات السياسية وسيلة لإسكات المعارضة، عبر توجيه تهم ثقيلة يصعب دحضها في محاكمات تفتقر في كثير من الأحيان إلى ضمانات المحاكمة العادلة. وأصبحت محاكم قضايا الإرهاب منصة لمحاكمة شخصيات مدنية وسياسية دون الفصل بين العمل السياسي وتهديد الأمن العام، في خلط يهدد أسس العدالة والضمانات القانونية.
ومما يثير القلق أن هذه الأحكام تأتي في ظل تضييق متزايد على حرية التعبير والتنظيم، واعتقالات طالت نقابيين وصحفيين وحقوقيين، ما يعكس توجهاً متسارعاً نحو تصفية المجال العام، وإعادة إنتاج مناخات استبدادية تقوض الحقوق والحريات التي كانت من أبرز مكاسب الثورة التونسية عام 2011.
إن استخدام الاتهامات الأمنية الكبرى لشيطنة المعارضين، وتغييبهم عبر المحاكمات الغيابية أو الشهادات السرية، يُعد مؤشراً خطيراً على انتكاس دولة القانون. كما أن غياب ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا بهذا الحجم، يزعزع ثقة المواطنين في استقلال القضاء، ويكرّس ثقافة الإفلات من المساءلة عند تجاوز السلطة حدودها.