يواجه القطاع الصحي في غزة انهياراً وشيكاً في ظل الهجمات العسكرية المتواصلة التي تشنها قوات الاحتلال منذ أكثر من سبعة أشهر، والتي حولت المستشفيات إلى أهداف مباشرة وأسفرت عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية الصحية في القطاع المحاصر.
وبحسب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، فإن ما لا يقل عن 94% من مستشفيات غزة تعرضت لأضرار جسيمة أو دُمرت بالكامل، فيما لم يتبق سوى 19 مستشفى من أصل 36 تعمل ولو بشكل جزئي، في بيئة مشبعة بالخطر ونقص الموارد والمستلزمات الطبية الحيوية.
وقد أُجبرت أربعة مستشفيات رئيسية على الإغلاق خلال الأسبوع الماضي وحده، بسبب القصف المتكرر، وأوامر الإخلاء القسري، وتدهور الأوضاع الأمنية المحيطة.
وبات المشهد الطبي في غزة اليوم أقرب إلى حالة العجز التام: شمال القطاع محروم فعلياً من خدمات الرعاية الصحية، بينما المستشفيات القليلة المتبقية في الجنوب تكافح ما يفوق طاقتها من المرضى والمصابين، وسط تهديدات مستمرة بالإغلاق.
ولا تقتصر المأساة على نقص الأدوية أو المعدات الطبية، بل تمتد إلى حرمان آلاف المرضى والمصابين من أدنى درجات العلاج، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المنشآت الطبية أو عسكرتها.
وتجري هذه التطورات الكارثية في سياق حرب إبادة جماعية ممنهجة، تنفذها قوات الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مدفوعة بدعم سياسي وعسكري غير مشروط من قوى دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وقد خلّفت هذه الحرب أكثر من 176 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال أكثر من 11 ألف شخص في عداد المفقودين، يُعتقد أن كثيرين منهم تحت الأنقاض أو في مقابر جماعية لم تُوثق بعد. كما تسببت الحملة في نزوح مئات الآلاف قسراً من منازلهم، في ظروف لاإنسانية تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، صعّدت قوات الاحتلال من سياسة التجويع الجماعي، عبر منع دخول المساعدات الإنسانية وتقييد حركة المواد الإغاثية عند المعابر، ما دفع القطاع إلى مرحلة المجاعة. وقد سُجلت حالات وفاة عديدة بسبب الجوع وسوء التغذية، في مؤشر خطير على استخدام الغذاء كسلاح في هذه الحرب المفتوحة على السكان المدنيين.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، ترتفع الدعوات الدولية والمجتمعية لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، ولإتاحة دخول المساعدات الإنسانية دون قيود، وضمان حماية المدنيين والمنشآت الحيوية بما فيها المستشفيات، باعتبارها ركائز أساسية لحياة البشر، لا يجوز استخدامها كأوراق ضغط أو أهداف في نزاعات عسكرية.
إن ما يجري في غزة ليس فقط أزمة إنسانية أو كارثة صحية، بل جريمة إبادة جماعية موثقة بالأرقام، تشهد على فشل المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته الأساسية تجاه القانون الدولي وحقوق الإنسان.