في تحذير جديد يعكس عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة؛ وصفت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش إيجر، الوضع في القطاع المحاصر بأنه “جحيم على الأرض”، مؤكدة أن المستشفى الميداني التابع للجنة يوشك على التوقف عن العمل خلال أسبوعين بسبب نفاد الإمدادات، في ظل حصار خانق يمنع دخول المساعدات الإنسانية منذ أكثر من ستة أسابيع.
وقالت سبولياريتش في تصريح لوكالة “رويترز” من مقر اللجنة في جنيف: “لا يمكن للسكان الحصول على الماء ولا الكهرباء ولا الغذاء في الكثير من المناطق”. وأضافت أن الإمدادات الطبية واللوجستية التي يحتاجها المستشفى الميداني على وشك النفاد، ما سيؤدي إلى شلّ قدرة الصليب الأحمر على تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية المنقذة للحياة.
من جهتها؛ أكدت منظمة الصحة العالمية أن الأوضاع الصحية في غزة تقترب من الانهيار الكامل، مشيرة إلى أن 22 مستشفى فقط من أصل 36 لا تزال تعمل بأدنى طاقتها، وسط نقص حاد في المضادات الحيوية وأكياس الدم.
وقال ريتشارد بيبيركورن، ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية، إن القطاع الصحي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة تهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى.
وتبرز هذه التصريحات حجم الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المدنيون في قطاع غزة، لا سيما ما يتعلق بحرمانهم من الحقوق الأساسية في الغذاء والدواء والماء، وهو ما يمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص في اتفاقيات جنيف على ضرورة حماية السكان المدنيين في مناطق النزاع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
ويُعد الحصار المفروض على القطاع، واستهداف البنى التحتية المدنية والطواقم الطبية، بمنزلة عقاب جماعي محظور بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر بشكل قاطع “المعاقبة الجماعية لأي فرد محمي”، كما تُعد عرقلة المساعدات عملاً يمكن تصنيفه كجريمة حرب في حال ثبت تعمده وتسببه بمعاناة المدنيين.
رئيسة الصليب الأحمر عبّرت كذلك عن قلق بالغ بشأن سلامة الطواقم الطبية والإنسانية، مؤكدة أن التحرك داخل القطاع أصبح محفوفاً بالمخاطر، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى الجرحى والمحتاجين للمساعدة.
وفي هذا السياق؛ تستدعي الضرورة فتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة تضمن تدفق الإمدادات الطبية والغذائية، وتحييد المستشفيات والمراكز الطبية عن دائرة الاستهداف، إضافة إلى فتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي طالت المدنيين والمرافق الإنسانية، ومحاسبة المسؤولين عن عرقلة جهود الإغاثة.
إن ما تشهده غزة اليوم لم يعد مجرد أزمة إنسانية، بل يتحول إلى كارثة تطال أساسيات الحياة والكرامة الإنسانية. وأمام هذا الواقع، يصبح الصمت الدولي تواطؤاً، ويُعد التأخر في اتخاذ إجراءات فاعلة لوقف العدوان ورفع الحصار إخلالاً جسيماً بمسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين وإنفاذ القانون الدولي.
إن استمرار حرمان أكثر من مليوني إنسان من حقهم في الحياة الآمنة والكرامة، في ظل حصار وتجويع ممنهجين، يتطلب تحركاً عاجلاً يتجاوز الإدانات اللفظية إلى إجراءات سياسية وقانونية رادعة، تحفظ ما تبقى من إنسانية في غزة المنكوبة.