في تحذير جديد يعكس عمق المأساة الإنسانية في قطاع غزة؛ أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن الأطفال في القطاع يموتون بمعدل غير مسبوق، بفعل المجاعة التي تتفشى بسرعة مرعبة، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023.
وأكد نائب المدير التنفيذي لليونيسف، تيد شيبان، في إحاطة إعلامية بعد عودته من زيارته الرابعة لغزة، أن الوضع في القطاع وصل إلى نقطة حرجة، وأن قرارات المجتمع الدولي الآن ستحدد ما إذا كان عشرات الآلاف من الأطفال سيبقون أحياء أم سيُتركون للموت البطيء.
وقال شيبان: “تشاهدون الصور في الأخبار وتظنون أنكم تعرفون، لكن الحقيقة أن الواقع هناك أكثر إيلاماً مما تنقله العدسات. علامات الجوع العميق والانهيار مرسومة على وجوه الأطفال والأهالي”.
وأضاف أن أكثر من 18 ألف طفل قُتلوا منذ بدء الحرب، فيما يتهدد أكثر من 320 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، في وقت تجاوزت فيه معدلات سوء التغذية 16.5%، أي أعلى بكثير من عتبة إعلان المجاعة رسمياً.
وشدد على أن “واحداً من كل ثلاثة أشخاص في غزة يقضي أياماً دون طعام”، ما يكشف عن انهيار كامل في الأمن الغذائي، ويحيل إلى واقع كارثي تتجسد فيه المجاعة كسلاح حرب يُستخدم ضد المدنيين.
ومنذ إغلاق المعابر بشكل كامل في مارس 2025، يفرض الاحتلال حصاراً شاملاً يمنع دخول الغذاء والدواء والمساعدات الحيوية، مع استهداف متكرر لمراكز توزيع الأغذية وخطوط الإمداد.
ورغم التحذيرات الدولية؛ ما تزال المساعدات التي تدخل غزة شحيحة وغير منتظمة، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن الحد الأدنى المطلوب هو 500 شاحنة يومياً، تشمل المواد الغذائية والطبية والتجارية، في حين لا يصل إلى القطاع سوى جزء ضئيل منها، تحت رقابة وتعطيل مقصود من جانب سلطات الاحتلال.
إن تدمير سبل الحياة، وتعطيل وصول الغذاء والدواء، ومنع الإجلاء الطبي، تُعد جرائم حرب وفق القانون الدولي، لكنها أيضاً مكونات أساسية لجريمة الإبادة الجماعية حين تُمارس بهدف القضاء على فئة سكانية بعينها، وهو ما يحدث بوضوح في قطاع غزة منذ ما يقارب العام.
وبينما تتعالى الأصوات الأممية بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية عبر كل المعابر؛ تواصل سلطات الاحتلال استخدام الحصار كسلاح، في ظل تواطؤ دولي وصمت مُطبِق من أغلب الحكومات الغربية التي تزعم الدفاع عن “حقوق الإنسان”.
وإن لم يُرفع الحصار فوراً وتُوقف الحرب؛ فإن ما تبقى من طفولة غزة لن يُكتب له البقاء، وسيسجّل التاريخ أن المجاعة كانت إحدى أدوات الإبادة الجماعية الصامتة، التي ارتُكبت على مرأى ومسمع من عالمٍ يزعم التحضر، بينما كان يتقاعس عن إنقاذ طفل يحتضر.