في تصعيد جديد لانتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها مناطق النزاع في السودان؛ أقدمت قوات “الدعم السريع” على اختطاف ستة من الكوادر الطبية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، بينهم أربعة أطباء وصيدلي وممرض، بحسب شبكة أطباء السودان (أهلية مستقلة).
وأضافت الشبكة أن القوة التي اختطفت الكوادر الطبية الستة “ابتزت ذويهم وطالبت بفدية مالية تبلغ 100 مليون جنيه سوداني (الدولار يعادل 3500 جنيه سوداني) لكل طبيب مقابل إطلاق سراحه”.
ويُعد اختطاف العاملين الصحيين وابتزاز ذويهم بطلب فدية مالية، خرقا صريحا لبنود القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف التي تحظر في المادة (3) المشتركة “الاحتجاز غير المشروع وأخذ الرهائن والمعاملة القاسية للمدنيين ومن لا يشاركون في الأعمال العدائية”.
كما أن استهداف مقدمي الرعاية الصحية يتنافى مع روح الحماية الخاصة التي تمنحها المادة (24) من الاتفاقية الرابعة، التي تؤكد وجوب احترام وحماية الأطباء والممرضين العاملين في النزاعات المسلحة.
ويمثل ما حدث في الفاشر جزءاً من نمط متكرر من الانتهاكات التي تمارسها الأطراف المسلحة ضد القطاع الطبي والإنساني، حيث تتعرض المستشفيات والكوادر للتهديد والاعتداء والنهب، في ظل انهيار شبه تام للمنظومة الصحية.
ويعكس هذا السلوك محاولة متعمدة لتقويض الخدمات الأساسية وإرغام المدنيين على الخضوع عبر حرمانهم من الرعاية والعلاج، وهي سياسة تدخل ضمن نطاق “استخدام التجويع والمعاناة كوسائل حرب” التي تعد من جرائم الحرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتأتي هذه الجريمة في سياق مأساوي أوسع يشهده إقليم دارفور، حيث تتواصل الهجمات ضد المدنيين منذ شهور، وسط حصار مطبق على مدينة الفاشر تسبب في انقطاع الإمدادات الإنسانية ونزوح عشرات الآلاف خلال الأيام الأخيرة. ومع استمرار غياب أي آلية فعالة للمساءلة؛ تتسع دائرة الإفلات من العقاب، ما يشجع على ارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين والعاملين الإنسانيين.
إن اختطاف الأطباء وطلب الفدية لقاء حريتهم يمثل انتهاكاً مزدوجاً للحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي، ويضرب في الصميم مبدأ الحياد الإنساني الذي يُعد أساس عمل الطواقم الطبية أثناء النزاعات. كما يكشف عن انهيار شبه تام لسيادة القانون في مناطق النزاع، وتفكك منظومة الحماية الدولية التي كان يفترض أن تردع مثل هذه الممارسات.
وفي ظل هذا الواقع؛ تصبح الحاجة ملحّة لتفعيل أدوات المساءلة الدولية، وضمان حماية الكوادر الإنسانية والطبية باعتبارهم شريان الحياة الأخير في مناطق الحرب. فالصمت عن هذه الجرائم لا يعني الحياد، بل يسهم في تطبيع الجريمة، ويجعل من القانون الإنساني الدولي نصوصاً معطّلة في مواجهة منطق القوة والسلاح.


























