منذ اندلاع الحرب الأهلية باليمن قُتل وجُرح نحو 50.000 مدنياً ونزح 3 ملايين آخرين داخلياً
السعودية قادت غارات جوية وفرضت حصارا بحرياً فدفعت البلاد إلى حافة المجاعة
خبراء وقانونيون دوليون يطالبون بتقديم المسؤولين عن أزمة اليمن للعدالة ومقاضاتهم عما ارتكبوه من جرائم في اليمن
المجاعة والضرر الشديد الذي نتج عن الأزمة اليمنية كاف بأن تقدم الجهات المتسببة فيها إلى المساءلة القانونية
أحد أبرز أسباب إفلات الائتلاف الذي تقوده السعودية من العقاب في الانتهاكات المرتكبة في اليمن هو عدم وجود تحقيقات جادة حتى الآن
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة في البرلمان البريطاني الاثنين 25 يونيو/حزيران 2018 برعاية النائب كريس وليماسن حول دور التحالف بقيادة السعودية في إحداث أفظع كارثة انسانية في اليمن.
شارك في الندوة نخبة من المحامين والخبراء القانونيين الذين يتمتعون بخبرة واسعة في القضايا المتعلقة بالقضية اليمنية من الناحية القانونية، وفي إمكانيات معالجة النزاع الدائر في اليمن وفقاً للقانون الدولي، وقد دار النقاش في الندوة حول الأبعاد القانونية التي تتعلق بكيفية تقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان باليمن للمساءلة، والأبعاد السياسية التي تعرقل تقديمهم للعدالة.
وتأتي أهمية هذه الندوة في ظل الهجوم على ميناء الحديدة والآثار الخطرة لهذا الهجوم على إمدادات الغذاء والدواء للمدنيين في اليمن.
افتتح الندوة المحامي ريس ديفيس بالحديث حول الكارثة الإنسانية الموجودة باليمن، والتي تمثل أسوأ كارثة إنسانية في العالم في الوقت الراهن، وأشار في حديثه إلى أنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، سقط أكثر من 50000 شخصاً ما بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين شخصاً اضطروا للنزوح الداخلي.
وذكر ديفيس أن اليمن يعاني من أسوأ انتشار لوباء الكوليرا مر على العالم محملاً الغارات الجوية التي تقودها القوات السعودية وتحالفها مسؤولية ذلك، وذكر أن الحصار البحري الذي تفرضه تلك القوات على البلاد عرضها لمجاعة كارثية في ظل حاجة 22 مليون شخص بصورة طارئة إلى الغذاء والدواء، ضارباً المثل بما حل بالُحديدة.
المحامي كليف بالدوين – المستشار القانوني لمكتب الشؤون والسياسات القانونية في هيومان رايتس ووتش، تناول في حديثه ثلاث قضايا قانونية بارزة فيما يخص الوضع باليمن، وهي: 1- القيود المفروضة على الغذاء في اليمن وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، 2- عدم توفير طرق وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، 3- كيف تم منع المدنيين من الخروج الآمن من مناطق الصراع باليمن.
كما أشار بالدوين إلى أن أحد أبرز أسباب إفلات الائتلاف الذي تقوده السعودية من العقاب في الانتهاكات المرتكبة في اليمن هو عدم وجود تحقيقات جادة في هذا الأمر، كما أشار -فيما يتعلق بالمشاركة البريطانية والتواطؤ في تفاقم المشكلة اليمنية- إلى الدعوى القضائية التي رفعتها (الحملة ضد تجارة السلاح) قائلاً أنها إحدى القضايا الأساسية لوقف مبيعات الأسلحة للسعودية باعتبارها تجارة غير قانونية داخل المملكة المتحدة، حيث نصت بعض قوانين المملكة المتحدة على عدم جواز منح التراخيص لبيع الأسلحة إذا كان هناك شك في أن تلك الأسلحة تستخدم في انتهاكات القانون الدولي، إلا أن تلك المطالبات قد فشلت في المحاكم الابتدائية بسبب غموض المعلومات الموجودة في السجلات الحكومية حول الحوادث المختلفة التي احتوت عليها الدعوى القضائية، ومع ذلك؛ فقد تمكنت تلك الدعوى من الوصول إلى مرحلة الاستئناف وهي قيد النظر حاليًا.
وفي كلمتها بالندوة تحدثت المحامية كاتريونا مردوخ عن القانون العام الخاص بالمجاعات قبل التطرق إلى كيفية التحقيق في الادعاءات المعلنة عن وجود مجاعات وكيفية التعامل معها وفق القضاء.
وبينت مردوخ أن المجاعة هي واحدة من الأزمات العالمية التي تلاشت في العالم مؤخراً ولم يتم تسجيل أي مجاعة في الفترة منذ 2000 وحتى 2011، إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا الحالي تم الإبلاغ عن وجود مجاعة خطيرة (من قبل الأمم المتحدة) في أربعة بلدان وهم شمال شرق نيجيريا، الصومال، جنوب السودان، واليمن.
وشددت مردوخ في حديثها أن كل حالة من حالات المجاعة أو انعدام الأمن الغذائي في العالم اليوم هي نتيجة للنزاع المسلح، وأن المجاعة أزمة متعددة الأسباب ومتعددة الأوجه، وأكدت أن أي فعل يتسبب في إحداث مجاعة يجب أن يصنف جريمة، وهو ما تفعله جهات التحالف باليمن، والتي تقوم بمخالفة نصوص القانون الدولي.
تبعت كلمة مردوخ كلمة المحامي جوزيف بريهام- عضو نقابة المحامين في باريس ومؤسس Ancile Avocats- عن سبل الانتصاف القانون في اليمن، واختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذه الحالة.
وأشار بريهام أنه في جميع الحالات الدولية التي تشبه قضية اليمن فإن أول نقطة للتحرك هي تقديم أدلة إدانة، واستخدام القوانين المحلية، من هذا المنطلق أشار بريهام أن سيادة القانون باليمن غائبة إلى حد كبير ما يجعل هناك عوائق أمام سبل الانتصاف المحلي، وضرب مثلاً لهذا، حيث قال أن الأمم المتحدة حددت 987 غارة جوية في اليمن تم إجراؤها واستهدفت مساكن مدنية، ومع هذا لم تخرج لجنة التحقيق التي أنشأتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمخالفة قانونية واحدة في تلك الغارات الجوية، ما يؤكد عدم مصداقية تلك التحقيقات.
كما أشار إلى أنه نظراً لعدم الاعتراف بواقع ما يحدث في اليمن من قبل تلك القوات، فإنه يجب تفعيل الآليات البديلة لإحالة الجناة للمساءلة القانونية، أي استخدام الهيئات والقوانين الدولية.
وقال بريهام أنه ليس للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على النزاع في اليمن، حيث أن حالة اليمن لا تعتبر “نزاعًا دوليًا”، ولكن على الرغم من ذلك، “يمكن القيام ببعض الأشياء” من شأنها أن تحيلهم للمحاكمة.
وأوضح بريهام أن تلك الخطوات تشمل محاكمة المرتزقة الذين تم استغلالهم من قبل التحالف، الذي تقوده السعودية في الحرب ضد اليمن، ويشكل هؤلاء المرتزقة قاعدة كبيرة من عدد الجنود الذين يمارسون العنف في اليمن، كما أنهم ملزمون بأنظمة المحكمة الجنائية الدولية، لأن جنسيتهم ليست هي نفسها التي ترفض نظام روما الأساسي.
وأضاف أنه يمكن استخدام سلطة لجنة مناهضة التعذيب (CAT) القضائية العالمية في حالات “الهجمات الواسعة النطاق أو انتهاكات القانون الإنساني الدولي ضد المدنيين” والتي يمكن اعتبارها “تعذيباً واسع النطاق ضد المدنيين”، وهو ما يجعل هناك إمكانية لتقديم تلك الجرائم المرتكبة إلى العدالة، فالعديد من البلدان، بما في ذلك فرنسا، كما أشار بريهام، لديها سلطة قضائية في معاقبة من يُزعم أنهم ارتكبوا التعذيب ضد المدننيين العزل.
وكان المتحدث الأخير بالندوة، توفيق الحميدي -رئيس قسم التوثيق في سام (منظمة حقوق الإنسان اليمنية)- حيث تحدث الحميدي عن مدى شرعية الحكومة اليمنية الحالية، وميليشيات الحوثي، والتحالف العربي الموجود في اليمن، وفي معرض تناوله لها تحدث الحميدي عن نقطتين رئيسيتين:
- أزمة الرواتب في اليمن.
- أسعار العملات.
حيث أشار الحميدي إلى أن الحكومة اليمنية واجهت إحراجاً كبيراً من مواطنيها بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالتزامات دفع الرواتب، وأن 1.25 مليون موظف حكومي وعائلاتهم لا يزالون محرومين من مصدر دخلهم الرئيسي، وهذا الأمر يؤثر على وضع المعلمين، وغيرهم من موظفي القطاع العام، مما وضع اليمنيين تحت ضغط كبير.
وفيما يخص أسعار العملات، أشار الحميدي إلى أن قيمة العملة انخفضت بنسبة 50٪ عن العام الماضي، وفشلت في جميع المعالجات والتدابير التي قالت الحكومة إنها اتخذتها للحد من هذا التدهور، حيث تم تسريعها بعد القرار الحكومي لطبع العملة، وكان ذلك القرار نتيجة للتدهور الحاد بين العملة المحلية مقابل الدولار وقد ساعدت الحكومة بذلك على زيادة الركود.
أما عن ميليشيات الحوثي، أشار الحميدي إلى أن تلك الميليشيات “قد أدخلت منافذ جمركية على عدد من المحافظات اليمنية، وهو ما يشكل سابقة خطيرة وتتعارض مع اتفاقية الميناء الواحد “علاوة على ذلك، تم تعيين الحوثي مديرا لدائرة الجمارك لتمكينها من تطوير منافذ جمركية على البضائع القادمة من المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة الحكومة، ونتج عن ذلك نتائج كارثية بالنسبة للقطاع الخاص، بالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين مع تضاعف الأسعار ثلاث مرات.
وأخيرًا، تحدث الحمدي عن التحالف العربي الذي يعمل حاليًا في اليمن، ولفت إلى أن تصرفات التحالف العربي تجاه الموانئ اليمنية تسببت في العديد من العوائق، سواء في الجانب الإنساني أو التجاري، ويشمل ذلك ميناء الحديدة، وميناء عدن، وميناء المكلا، وتعطل ميناء مكسة مما أدى إلى مشاكل خطيرة في القطاع المصرفي وفي الاقتصاد اليمني بشكل عام.
وضرب أحد الأمثلة على ذلك ـ منع البنك المركزي اليمني في عدن من القيام بوظائفه القانونية وواجباته في توفير السيولة الكافية والمناسبة للاقتصاد اليمني، خاصة في مجال دفع الرواتب للموظفين وفي الجهاز الإداري للدولة.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تدعو المجتمع الدولي، لا سيما في ضوء الأزمة الناشئة في الحديدة، أن يأخذ على عاتقه المسؤولية لتفادي الكارثة الإنسانية المستمرة في اليمن ومحاسبة المسؤولين عن تلك الكارثة دون تأخير.