يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية متفاقمة مع تزامن المنخفضات الجوية العنيفة مع بنية تحتية مدمّرة وظروف معيشية قسرية فُرضت على السكان، ما أدى إلى انهيار عشرات المباني السكنية وغرق الغالبية الساحقة من خيام النازحين، في مشهد يعكس هشاشة الواقع الإنساني وانعدام أدنى مقومات الحماية المدنية.
وأفاد الدفاع المدني في غزة بانهيار 18 بناية سكنية بشكل كامل، إلى جانب تعرّض أكثر من 110 بنايات أخرى لانهيارات جزئية خطيرة، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة آلاف المواطنين، في ظل غياب الإمكانيات اللازمة للتدعيم أو الإخلاء الآمن، واستمرار الظروف الجوية القاسية.
وتسببت الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة في تطاير وغرق أكثر من 90% من خيام النازحين المنتشرة في مختلف مناطق القطاع، ما أدى إلى تشريد آلاف الأسر مجددًا، وإتلاف الملابس والأغطية والأفرشة، وتعريض الأطفال وكبار السن لظروف برد قارس تهدد حياتهم. وأكدت المعطيات أن الخيام لم توفر أي حماية حقيقية، وأثبتت فشلها كحل إنساني مؤقت في بيئة تعرّضت لتدمير شامل.
ووفق البيانات المعلنة؛ تلقت طواقم الدفاع المدني أكثر من 700 نداء استغاثة منذ بدء تأثير المنخفض، شملت إنقاذ محاصرين بمياه الأمطار، والتعامل مع انهيارات مبانٍ، وحوادث سقوط في آبار وبرك لتجميع المياه، في ظل قدرات محدودة ونقص حاد في المعدات.
وأسفرت تداعيات المنخفضات الجوية عن وفاة 25 مواطنًا، من بينهم ستة أطفال قضوا نتيجة البرد القارس، فيما توفي آخرون بسبب انهيارات المباني أو الحوادث المرتبطة بالفيضانات، ما يسلّط الضوء على العلاقة المباشرة بين الظروف المناخية القاسية والواقع الإنساني المفروض قسرًا على السكان.
ويأتي هذا المشهد في سياق أوسع من الانتهاكات الجسيمة، إذ يعيش سكان غزة منذ أشهر في ظروف لا تتوافر فيها متطلبات الحد الأدنى للحياة الكريمة، نتيجة التدمير الواسع للمساكن والبنى التحتية، ومنع إدخال مواد الإيواء وإعادة الإعمار، وهو ما يضع السكان المدنيين في مواجهة أخطار طبيعية يمكن تفادي آثارها لو توفرت الحماية والموارد الأساسية.
ومن منظور حقوقي وقانوني، فإن تعريض السكان المدنيين لظروف معيشية تهدد حياتهم، وحرمانهم من المأوى الآمن، وتركهم عرضة للبرد والفيضانات، يُعد انتهاكًا صارخًا لحق الإنسان في السكن اللائق والحياة والأمن الشخصي، وهي حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ولا يجوز تعطيلها تحت أي ذريعة.
وتؤكد الوقائع أن استمرار منع إعادة الإعمار، والاكتفاء بحلول إغاثية هشة وغير صالحة، يعمّق الكارثة ويحوّل العوامل الطبيعية إلى أدوات قتل غير مباشر، خاصة بحق الأطفال والفئات الأضعف.
ويواصل الاحتلال، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عدوانه ضد سكان قطاع غزة، بما يشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري والاعتقال، متجاهلًا النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وقد خلّفت جرائم الاحتلال منذ ذلك التاريخ أكثر من 242 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين، فضلًا عن مجاعة أزهقت أرواح كثيرين، وتدمير شبه كامل للمدن والمناطق السكنية، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة.
وفي ظل هذا الواقع، تتزايد المخاوف من تفاقم الكارثة الإنسانية مع أي تطورات مناخية قادمة، ما لم يُرفع الحصار، ويُسمح بإعادة الإعمار، وتُتخذ إجراءات فورية تضمن توفير مساكن آمنة تحمي حياة السكان وتصون كرامتهم الإنسانية.

























