في مشهد يعكس بوضوح الطبيعة الإجرامية والعنصرية لمنظومة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني؛ طالب وزير “الأمن القومي” في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، باستهداف الفلسطينيين عند ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” في قطاع غزة، حتى الأطفال منهم.
وقالت هيئة البث العبرية إن بن غفير تساءل خلال اجتماع وزاري: “لماذا لا نطلق النار على طفل يركب حماراً؟” وذلك رداً على مسؤول عسكري تحدث عن تطبيق قواعد إطلاق النار عند “الخط الأصفر” ضد البالغين فقط.
ورداً على هذا النقاش؛ سخر الوزير دودي أمسالم متسائلاً: “من يجب إطلاق النار عليه أولاً، الطفل أم الحمار؟”، فيما اختتم وزير الدفاع يسرائيل كاتس الجدل بقوله إن “كل من يقترب من السياج يجب أن يعلم أنه قد يتعرض للأذى”.
وتمثل هذه التصريحات، الصادرة من وزراء في حكومة الاحتلال، تحريضاً علنياً على القتل على أساس الهوية القومية، وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين في أي ظرف من الظروف، لا سيما الأطفال الذين يتمتعون بحماية خاصة بموجب اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 واتفاقيات جنيف الأربع.
وتُعد الدعوة إلى إطلاق النار على طفل أعزل، لمجرد وجوده في منطقة تعتبرها قوات الاحتلال “محظورة” تصريحاً بارتكاب جريمة حرب مسبقة النية، وتعبّر عن سياسة قتل ممنهجة تحت غطاء أمني زائف.
ويُستخدم ما يسمى بـ”الخط الأصفر” كأداة جديدة للهيمنة العسكرية بعد انسحاب جزئي للقوات من بعض مناطق القطاع بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبموجب هذا الترتيب؛ يواصل الاحتلال سيطرته على نحو 53 في المئة من مساحة قطاع غزة، مع فرض قيود مشددة على حركة المدنيين وتهديدهم بالقتل عند أي اقتراب من المناطق التي حددها كـ”مناطق خطر”.
ويكرس هذا السلوك المشين واقعاً من الفصل العنصري المسلح، ويحوّل غزة إلى منطقة قتل مفتوحة، حيث يُسمح للجنود بإطلاق النار على أي فلسطيني دون تمييز، في انتهاك واضح للمادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف، التي تحظر الاعتداء على الأشخاص غير المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وتمنع التهديد بالعنف ضدهم.
وتأتي هذه التطورات بعد أن أنهى اتفاق وقف النار إبادة جماعية ارتكبها الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واستمرت لعامين، أسفرت عن مقتل أكثر من 68 ألف فلسطيني وإصابة نحو 170 ألفاً آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى تدمير 90 في المئة من البنية التحتية المدنية.
وبرغم وقف العمليات العسكرية رسمياً؛ فإن خطاب بن غفير يؤكد أن العقلية الإبادية ذاتها لا تزال حاكمة لسياسات الاحتلال، وأن اتفاقيات التهدئة لا تمثل سوى غطاء مؤقت لإعادة ترتيب أدوات القمع.
إن الإصرار العلني على قتل الأطفال، تحت مبررات أمنية واهية، لا يعكس فقط انهيار القيم الأخلاقية لدى منظومة الاحتلال، بل يكشف أيضاً طابع الإبادة الجماعية المستمر، الذي يسعى إلى محو الوجود الفلسطيني عبر القتل، والتجويع، والترويع. وهو ما يجعل المجتمع الدولي أمام اختبار جديد: إما أن يُطبّق القانون الدولي على مرتكبي الجرائم دون تمييز، أو أن يواصل تواطؤه بصمته المطبق على جرائم تُرتكب أمام أنظار العالم.























