عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الجمعة، 28 يوليو/تموز 2023، ندوة بعنوان “بين المطرقة والسندان: تسليط الضوء على انتهاكات السلطة الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي” من أجل إلقاء نظرة أعمق على القمع الممنهج المتصاعد الذي تمارسه السلطة الفلسطينية ضد النشطاء وطلاب الجامعات والأسرى المحررين، في ظل سياسات التنسيق الأمني عالية المستوى بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
أدار الندوة الصحفي البريطاني جو هاينز، بحضور ومشاركة بيل لو – محرر آراب دايجست والمحلل السابق للشرق الأوسط في BBC، أُبي العابودي- المدير التنفيذي لمركز بيسان للبحوث والإنماء، عمر شاكر- مدير قسم فلسطين/إسرائيل في منظمة هيومان رايتس ووتش، آدم شابيرو- مدير قسم المناصرة لفلسطين/إسرائيل في منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي، مهند كراجة- محامي فلسطيني ومدير مجموعة محامون من أجل العدالة، ورولا جمال- الرئيسة السابقة لقسم التوثيق في منظمة الحق.
في كلمته، سلط المحامي الفلسطيني مهند كراجة الضوء على أزمة حقوق الإنسان المستمرة في الضفة الغربية، لافتًا إلى تقرير صادر عن مجموعة “محامون من أجل العدالة” بعنوان “أزمة مستمرة النهج المستمر قمع الحريات في الضفة الغربية” الذي تحدث بصورة مفصلة عن الانتهاك المنهجي للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني على يد السلطة.
وشدد كراجة أنه على خلاف ما تورده في تقاريرها الرسمية حول التزامها باحترام حقوق الانسان بشكل عام، فإن السلطة الفلسطينية غير ملتزمة بالمعايير الوطنية والدولية لحقوق الانسان، وهذا يمكن اختصاره بقضية اغتيال الناقد السياسي نزار بنات.
ناقش كراجة كذلك القمع المنهجي لدولة فلسطين من خلال سيطرتها على الأنظمة التشريعية والقضائية، ولفت إلى أن السلطة التنفيذية تتلاعب بالنيابة العامة لإخفاء اعتقالاتها التعسفية، وبالتالي فرض سيطرة مطلقة على القضاء. وقد أدى ذلك إلى صورة قاتمة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مما يؤكد الحالة المزرية لحقوق الإنسان للفلسطينيين تحت السلطة الحالية.
واختتم كراجة كلمته بتسليط الضوء على الاعتقالات السياسية اليومية، حيث وثقت مجموعة “محامون من أجل العدالة” أكثر من 300 حالة منذ بداية العام، مشيرًا إلى أن جميع الفصائل السياسية باستثناء فتح أدانت هذه الاعتقالات، كما لفت الانتباه إلى الاعتقالات السياسية الممنهجة لطلبة جامعة بيرزيت، والتي أدت إلى اعتصام استمر لمدة شهر، كما أوضح أن نسبة تجاوزت 30% من المفرج عنهم لدى السلطة يتم اعتقالهم من قبل الاحتلال او العكس ضمن سياسية الباب الدوار.
أبي العابودي، المدير التنفيذي لمركز بيسان للبحوث والإنماء، قدم تحليلاً شاملاً للوضع الحالي في ظل السلطة الفلسطينية خلال كلمته، وأكد أن قضايا التعذيب وإساءة معاملة النشطاء والاعتقالات غير القانونية جزء من سياسة مستمرة منذ تشكيل السلطة الفلسطينية.
وأشار العابودي إلى وحشية الاحتلال الإسرائيلي، من القتل الميداني والاعتقالات التعسفية إلى العنف البطيء مثل تقييد إمدادات المياه إلى التجمعات الفلسطينية، مشددًا على أن هذا القمع يتم تنسيقه على أعلى المستويات، حيث تعمل جهات أمنية من عدة دول على تعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الأمن الإسرائيلية.
وفي ختام كلمته، تساءل العابودي عن دور الأجهزة الأمنية في حماية الشعب الفلسطيني، لافتًا أن هذه الكيانات ليست مصممة لحماية الفلسطينيين، بل تضاعف معاناتهم وتستغل أداوتها في التنكيل بهم.
وحث المنظمات الحقوقية على محاسبة السياسيين وكبار المسؤولين في الدول الغربية التي تدعم مثل هذا الجهاز الأمني القمعي ضد الفلسطينيين والبدء بحملات مناصرة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان سواء كانوا من السلطة أو الاحتلال الإسرائيلي.
في كلمته، تناول المحلل بيل لو الضوء على الوضع في فلسطين من منظور خارجي، مسلطًا الضوء القمع اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون من كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تمارس العنف ضد مواطنيها.
وأشار إلى تقرير لـ هيومن رايتس ووتش يصف سجل السلطة الفلسطينية في مجال حقوق الإنسان بأنه سجِل تعسفي وتعذيب ومحاكمات غير عادلة وقيود على حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
خلال مداخلته، أرجع بيل لو تزايد هذه الانتهاكات من قبل السلطة الفلسطينية إلى ستة عوامل رئيسية: أولها عدم إجراء انتخابات منذ عام 2006، مما أدى إلى انعدام المساءلة والإفلات من العقاب، وكذلك تركيز الإعلام الغربي على الانتهاكات الإسرائيلية وتجاهل الانتهاكات التي ترتكبها قوى الأمن الفلسطينية الداخلية، بالإضافة إلى إحجام الفلسطينيين في الشتات وأنصارهم عن التنديد بانتهاكات السلطة الفلسطينية خوفًا من تقويض القضية، كما أشار إلى فترة حكم محمود عباس الطويلة، ورضا إسرائيل عن الوضع الراهن، وميل الحكومات الغربية إلى تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
لمعالجة الوضع، اقترح لو ست حلول محتملة، أولها تسليط الضوء بشكل أكبر على ما يحدث في فلسطين في الإعلام الغربي، والضغط على الحكومات الغربية للتدخل لضمان إجراء انتخابات في فلسطين، وإشراك الفلسطينيين في الشتات للتحدث علنًا عن الانتهاكات، والتواصل مع عناصر حركات المعارضة الإسرائيلية، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية لمعالجة هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
في كلمتها، سلطت رولا جمال الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة والممنهجة التي ترتكبها السلطة الفلسطينية، وناقشت تكتيكات السلطة الفلسطينية المتمثلة في الاحتجاز والإسكات والمراقبة الرقمية، لا سيما ضد الصحفيين والمدافعات عن حقوق الإنسان والعاملين في المجال السياسي.
كما تعمقت رولا في الأسباب الجذرية لهذا الاضطهاد، مشيرة إلى وجود أوجه تشابه مع السوابق التاريخية في إفريقيا وجنوب شرق آسيا حيث أنشأت القوى الاستعمارية مؤسسات داخلية للسيطرة على المناطق المكتظة بالسكان. وأوضحت أن السلطة الفلسطينية، بدعم من المساعدات الخارجية، تؤدي وظيفة مماثلة في فلسطين، وهي تمثيل مصالح الاحتلال داخل الأراضي المحتلة.
فيما يتعلق بالحلول، شدد رولا على أهمية إدراك وفهم الأسباب الجذرية للممارسات القمعية للسلطة الفلسطينية، مشددة على دور القوى الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في دعم السلطة الفلسطينية، وهو ما يوفر لها حصانة أو يعتبر بمثابة ضوء أخضر لارتكاب المزيد من الانتهاكات.
ودعت رولا إلى محاسبة أفراد السلطة الفلسطينية المتورطين في ارتكاب انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني، ودعت إلى إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني والانتخابات الرئاسية في فلسطين كخطوات حاسمة نحو التغيير ووضع حد لهذه الانتهاكات.
في كلمته، سلط عمر شاكر الضوء على الممارسة المنهجية للسلطة الفلسطينية من اعتقال وتعذيب المنتقدين والمعارضين بشكل تعسفي، مشددًا على أن هذه ليست حوادث منعزلة، بل نمط مستمر ومنهجي منذ إنشاء السلطة الفلسطينية في التسعينيات.
وأشار إلى أن هذه الاعتقالات توسعت على مدار السنوات لتشمل الصحفيين وأي مواطن ينتقد على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك المشاركين في المظاهرات الاحتجاجية.
ولفت شارك إلى أنه بالرغم من سيطرة السلطة الفلسطينية المحدودة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، إلا أنها استطاعت أن تجعل من نفسها دولة بوليسية من الدرجة الأولى تمارس القمع في كل أشكال الحياة.
وشدد شاكر على الطبيعة المنهجية للتعذيب المستخدم لمعاقبة وترهيب أولئك الذين يتجرأون على انتقاد السلطة الفلسطينية، والإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات، لافتًا أن السلطة والجهات القضائية لم يفتحوا إلا عدد قليل جدًا من تحقيقات رسمية في الشكاوى المقدمة إليهم من المواطنين حول تعرضهم للتعذيب أو الاضطهاد.
كما أشار شاكر إلى أن العديد من المعتقلين لدى السلطة الفلسطينية محتجزون أيضًا من قبل القوات الإسرائيلية، وفي معظم الحالات تكون أسباب الاعتقال واحدة.
في ختام كلمته، دعا شاكر المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الانتهاكات واتخاذ اللازم للانتصاف للشعب الفلسطيني، مشددًا على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما دعا الحكومات الغربية إلى وضع حد للدعم الذي تقدمه لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
مدير قسم المناصرة في منظمة DAWN آدم شابيرو، تحدث عن الوضع الراهن في فلسطيني مشيرًا إلى أن غياب الانتخابات سبب رئيسي لما يحدث من قمع، لكنه أكد أن الانتخابات وحدها ليست الحل الوحيد لوضع حد لهذه الانتهاكات.
وسلط شابيرو الضوء على قضية جمال نسر، المواطن الفلسطيني الأمريكي الذي احتجز إداريًا لفترة من قبل السلطات الإسرائيلية، وعبر شابيرو عن قلقه إزاء تدهور صحة نسر وعدم قدرته على مغادرة الضفة الغربية والعودة إلى الولايات المتحدة.
وانتقد شابيرو المسؤولين الأمريكيين لسماحهم باحتجاز مواطن أمريكي بهذه الطريقة، لم يرتكب أي جرم، بل كانت أنشطته تروج للديمقراطية وتدعو إلى إجراء انتخابات.
ناقش شابيرو كذلك العلاقة المعقدة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة، مشددًا على أن السلطة الفلسطينية أصبحت أداة للاحتلال والفصل العنصري والقمع، مع الولايات المتحدة، كداعم وممكّن للسلطة الفلسطينية، وأكد أن الطرفين يتقاسمان المسؤولية عن القمع المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان.
واختتم شابيرو كلمته بالتأكيد على أن المساءلة أمر ضروري ومطلوب، لكنه غير كافي، مشيرًا إلى أن إسقاط هذا النظام بأكمله هو الحل المطلوب، مضيفًا أن نظام الفصل العنصري والواقع والمنطق يجب القضاء عليه تمامًا قبل إحراز أي تقدم ذي مغزى، مشددًا على الحاجة إلى نظام جديد سجله نظيف وتاريخه خال من الانتهاكات والقمع.