في تصعيد جديد لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ نحو 22 شهراً، جدد جيش الاحتلال، الثلاثاء، أوامره بإخلاء فوري لست عشرة منطقة في مدينة غزة ومحافظة الشمال، في خطوة تؤكد استمرار سياسة التهجير القسري للسكان المدنيين ضمن مخطط واضح للتطهير العرقي وتفريغ الأرض من أهلها.
وشملت أوامر الإخلاء الجديدة مناطق مكتظة بالسكان، من بينها أحياء الزيتون الشرقي والتركمان والدرج والصبرة والتفاح في مدينة غزة، إلى جانب جباليا البلد ومعسكر جباليا وأحياء الروضة وتل الزعتر وغيرها في شمال القطاع.
ووجه جيش الاحتلال تعليماته للسكان بالتوجه نحو منطقة “المواصي”، التي يدّعي أنها “آمنة”، رغم استهدافه المتكرر للنازحين هناك، وارتكابه مجازر دامية راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال.
وتأتي هذه الإنذارات في سياق ممنهج لإعادة تدوير النزوح الجماعي، حيث لم يعد في غزة مكان آمن، وقد فرض الاحتلال منذ مارس الماضي أوامر نزوح على أكثر من 81% من مساحة القطاع، وفق بيانات ميدانية، ما أجبر مئات الآلاف من المدنيين على التكدس في مناطق مدمّرة، أو النوم في العراء، أو الاحتماء ببنايات منهارة أو خيام لا تصمد أمام القصف.
وتشكّل هذه السياسات وفقًا للمعايير القانونية الدولية، نمطاً من أنماط الإبادة الجماعية، حيث تستهدف الهجمات المتكررة حياة المدنيين بشكل مباشر ومقصود، سواء بالقصف أو التجويع أو التهجير، ما أدى حتى اللحظة إلى مقتل ما يزيد عن 197 ألف فلسطيني، وفقدان أكثر من 11 ألف آخرين، فضلًا عن تفشي المجاعة وسقوط أطفال ضحايا للجوع والمرض والحصار.
ولا يخفى أن استهداف البنية التحتية للمستشفيات والمدارس والمخابز ومراكز الإيواء، إلى جانب منع دخول المساعدات الإنسانية، يدخل ضمن دائرة الجرائم ضد الإنسانية، التي تستوجب المساءلة والمحاسبة الجنائية الدولية.
ورغم النداءات المتكررة ومطالبات محكمة العدل الدولية بوقف العدوان، يواصل الاحتلال جرائمه، مدعومًا بصمت دولي وتواطؤ معلن من قوى كبرى، ما يزيد من معاناة السكان ويضع الإنسانية أمام اختبار أخلاقي وتاريخي لن يُمحى من ذاكرة الشعوب الحرة.
إن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب، بل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُرتكب في وضح النهار، وعلى مرأى العالم.