جدّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرارها القاضي بإغلاق مكتب قناة الجزيرة في مدينة رام الله لمدة 60 يوماً إضافياً، في خطوةٍ تعكس استمرار سياسة تقييد الإعلام واستهداف المؤسسات الصحافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووفق مصادر محلية؛ اقتحمت قوات الاحتلال مقر المكتب فجر اليوم، وعلّقت قرار الإغلاق على بابه قبل انسحابها من المكان، لتكرّس بذلك عاماً كاملاً من المنع المستمر منذ سبتمبر/أيلول 2024.
ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة متكرّرة من الأوامر العسكرية التي وُجّهت ضد القناة ومكاتبها منذ عام 2022، حين أقدمت قوات الاحتلال على اقتحام المكتب ذاته، ومصادرة معدّاته، وتمزيق صور الصحافية شيرين أبو عاقلة التي قُتلت برصاص جيش الاحتلال أثناء تغطيتها في مدينة جنين، وهي الجريمة التي شكّلت رمزاً عالمياً لانتهاك حرية الصحافة واستهداف الصحافيين في مناطق النزاع.
ويمثل تجديد الإغلاق انتهاكاً واضحاً لعدد من القواعد الدولية، أبرزها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تكفل الحق في حرية التعبير وتلقي ونقل المعلومات دون تدخلٍ من السلطات. كما يتناقض مع المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تنص على وجوب حماية الصحافيين العاملين في مناطق النزاع من أي أعمال عدائية، وعدم اعتبارهم أهدافاً عسكرية.
ويُثير القرار أيضاً تساؤلات جدّية حول الطبيعة السياسية والإدارية للأوامر العسكرية للاحتلال، التي تُستخدم لتقييد حرية الإعلام تحت ذرائع الأمن، وهو ما يعدّ إخلالاً بمبدأ التناسب والضرورة، إذ لا يبرر “الأمن القومي” في أي إطار قانوني المساس الجوهري بحرية الصحافة أو حجب المؤسسات الإعلامية دون مبرر قضائي مستقل.
واللافت أن قرار الإغلاق الأخير جاء بعد أشهر من إنهاء السلطة الفلسطينية لقرارها السابق القاضي بوقف عمل القناة في الضفة الغربية، ما يعكس بيئة مركّبة من القيود المزدوجة على العمل الإعلامي؛ من جهة الاحتلال الإسرائيلي، ومن جهة الإجراءات التعسفية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية.
إنّ تجدد إغلاق مكاتب قناة الجزيرة لا يمكن النظر إليه كإجراء إداري عابر، بل كجزء من نمط متصاعد لتكميم الإعلام المستقل وتقييد التغطية الصحفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يُعد مساساً مباشراً بحق الجمهور في المعرفة، وخرقاً لجوهر القيم الديمقراطية التي تقوم على التعددية وحرية الرأي والتعبير.
وتُبرز هذه الانتهاكات الحاجة الملحّة إلى ضمان حماية المؤسسات الإعلامية، وتمكين الصحافيين من أداء واجبهم المهني دون تهديد أو تقييد، مع وجوب مساءلة الجهات التي تفرض قرارات تعسفية تقيّد الإعلام، سواء كانت سلطات احتلال أو سلطات محلية.