في تصريحات مثيرة للجدل؛ أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التزامه بـ”شراء غزة وامتلاكها”، معتبرًا أن السماح للفلسطينيين بالعودة إلى القطاع سيكون “خطأً كبيراً”.
وأكد ترامب خلال حديثه للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، أن غزة “مدمرة بالكامل” ويجب تسويتها بالأرض قبل إعادة إعمارها بطريقة جديدة، مشددًا على أنه لن يكون فيها أحد من السكان الأصليين.
وطرح ترامب رؤيته لمستقبل غزة بوصفها “مشروعًا عقاريًا ضخمًا” ستتولى الولايات المتحدة امتلاكه تدريجيًا، بمشاركة دول عربية غنية لتمويل إعادة الإعمار، مشيرًا إلى إمكانية نقل سكان غزة المهجرين إلى أماكن أخرى، قد تشمل مناطق عربية أو حتى دولًا أخرى.
ولم يستبعد الرئيس الأمريكي نشر قوات أمريكية لضمان تنفيذ خطته، متوقعًا أن تكون للولايات المتحدة “ملكية طويلة الأمد” في القطاع الفلسطيني.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن عمليات تهجير الفلسطينيين من غزة، التي أشار إليها ترامب ضمنيًا كأمر واقع، هي جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، لا سيما المادة 49 من الاتفاقية الرابعة التي تحظر النقل القسري للسكان المدنيين من أراضيهم المحتلة.
كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يصنف الإبعاد أو النقل القسري للسكان ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
وبهذا؛ فإن أي حديث عن تهجير كامل لسكان غزة، سواء كان ضمن خطة أمريكية أو إسرائيلية، يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
وتعكس تصريحات ترامب التي وصف فيها غزة بأنها “مشروع عقاري ضخم” تعكس رؤية استعمارية تحاول تحويل معاناة الفلسطينيين إلى فرصة استثمارية للدول الغنية.
ومع ذلك؛ فإن القانون الدولي يؤكد أن الأرض الفلسطينية ليست للبيع ولا يمكن لأي دولة التصرف بها بمعزل عن شعبها. إضافة إلى أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 لعام 1960 بشأن تصفية الاستعمار ينص بوضوح على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما يتناقض مع محاولة فرض وصاية أمريكية على قطاع غزة بدعوى “إعادة الإعمار”.
إن إعلان ترامب عن نية الولايات المتحدة “امتلاك غزة ببطء شديد” ثم السماح لدول أخرى بتطوير بعض أجزائها، يطرح تساؤلات خطيرة حول إضفاء الشرعية على جريمة الحرب التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. فبدلاً من دعم حق الفلسطينيين في إعادة إعمار وطنهم بأيديهم، يجري طرح مشاريع تعزز الهيمنة الخارجية وتجعل مصير القطاع الفلسطيني مرهونًا بإرادة القوى الكبرى.
وهذه التصريحات تعكس أيضاً مرحلة متقدمة من محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر التطهير العرقي والاستيلاء القسري على الأرض.
وأمام هذا الواقع؛ يتوجب على المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، التحرك لمساءلة الأطراف المتورطة في التهجير الجماعي والعدوان على غزة. كما ينبغي على منظمات حقوق الإنسان الضغط لمنع فرض أي مشروع يعيد إنتاج نماذج استعمارية تحت عناوين زائفة كـ”التطوير وإعادة الإعمار”.
وختاماً، لا يمكن اعتبار غزة سلعة تباع وتشترى، ولا يمكن إخضاع مصير الفلسطينيين لحسابات الدول الكبرى. فالحقوق الوطنية ليست قابلة للمساومة، وحق الشعب الفلسطيني في أرضه سيظل ثابتًا مهما تعددت مشاريع التصفية.