في مشهد يعكس تفاقم سياسة الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال بحق سكان قطاع غزة؛ قُتل 41 مدنياً على الأقل، منذ فجر اليوم الخميس، جراء غارات جوية وقصف مدفعي استهدف مناطق سكنية ومرافق إيواء مكتظة بالنازحين في مختلف مناطق القطاع.
وأفادت مصادر ميدانية بأن القصف استهدف بركساً يأوي نازحين قرب خزان المياه في منطقة البركة ببلدة دير البلح وسط القطاع، مما أسفر عن مقتل 10 مدنيين، بينهم 9 أفراد من عائلة واحدة، في مجزرة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي تُرتكب بشكل متواصل ضد العائلات الفلسطينية.
كما أسفر استهداف خيمة للنازحين في مخيم الصداقة جنوب دير البلح عن مقتل شخصين آخرين، بينما قُتل خمسة مدنيين في شمال غرب مدينة غزة إثر قصف منزل يعود لعائلة بخيت في منطقة الصفطاوي.
ولم تتوقف الانتهاكات عند الغارات الجوية، فقد اقتحمت آليات الاحتلال ساحة مستشفى العودة في تل الزعتر شمال غزة، وأطلقت النار بكثافة داخل محيط المستشفى، قبل أن تضرم النيران في خيام النازحين داخله، في اعتداء فجّ على أحد الملاذات الأخيرة للسكان الهاربين من القصف.
وفي الوقت ذاته، نفذ جيش الاحتلال عمليات تدمير منهجي لعدد من المباني السكنية شرق بلدة القرارة شمال شرقي خان يونس، بينما استهدفت الطائرات الحربية منزلين في منطقة الزرقا شمال القطاع، ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا داخلهما، في عمليات تشير إلى سياسة واضحة لمحو الوجود المدني الفلسطيني.
وفي السياق ذاته؛ اندلع حريق ضخم في برج الراغب بمنطقة الكرامة شمال غرب غزة بعد استهدافه المباشر من قبل طائرات الاحتلال.
وتواجه طواقم الدفاع المدني صعوبات هائلة في الوصول إلى مواقع القصف بسبب الدمار الواسع في الطرق والبنية التحتية، ما يضطرها للسير على الأقدام واستخدام أدوات بدائية في ظل غياب المعدات الثقيلة.
وتأتي المجازر الجديدة في سياق نمط متكرر من الانتهاكات يشكل في مجمله أركان جريمة الإبادة الجماعية كما نصّت عليها الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، والتي تُعرّف الإبادة على أنها ارتكاب أفعال تستهدف تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية بشكل كلي أو جزئي، بما في ذلك القتل الجماعي، إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الجسيم، وفرض ظروف معيشية يراد بها الفناء.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل 53,655 شخصاً في قطاع غزة، وأُصيب 121,950 آخرون، في ظل حصار خانق وانهيار تام للخدمات الصحية والمرافق الأساسية، وتدمير متعمد للبنية التحتية، واستهداف متكرر لمراكز الإيواء والمستشفيات والمدارس، ما يجعل من استمرار هذا العدوان حلقة واضحة في سلسلة تطهير عرقي وإبادة جماعية تستهدف الوجود الفلسطيني في القطاع.
إن فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الجرائم أو مساءلة مرتكبيها لا يعفيه من المسؤولية الأخلاقية والقانونية. الصمت في وجه هذه المجازر، التي توثّقها الصور والشهادات الميدانية يومياً، يشكل تواطؤاً ضمنياً، ويقوّض أسس العدالة والإنصاف التي يفترض أن تشكل ركائز النظام الدولي.
إن ما يجري في غزة لم يعد فقط مأساة إنسانية، بل جريمة تاريخية تتطلب وقفة دولية عاجلة، وقرارات حاسمة لحماية المدنيين، ووقف عمليات الإبادة التي تُنفذ بشكل ممنهج وبدم بارد.