في الوقت الذي يُفرج فيه الاحتلال الإسرائيلي عن عدد من الأسرى الفلسطينيين بموجب صفقة تبادل مع المقاومة في غزة، يكثّف في المقابل من حملات الاعتقال في الضفة الغربية، في سياسة ممنهجة ترسّخ استهداف الفلسطينيين وتعكس نهجاً عقابياً جماعياً.
ومنذ مساء أمس وحتى صباح اليوم؛ شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة طالت 30 فلسطينياً على الأقل، بينهم طفل وأسرى محررون، بالإضافة إلى رهائن مدنيين. وتوزّعت هذه الاعتقالات على عدة محافظات، وشملت عمليات اقتحام عنيفة تخللتها تحقيقات ميدانية واسعة مع السكان، في محاولة لفرض مزيد من الضغط على المجتمع الفلسطيني.
لم يكن هذا التصعيد مفاجئاً، إذ يتكرر هذا النمط من الاعتقالات مع كل صفقة تبادل يتم فيها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. فبدلاً من أن تشكل هذه الصفقات خطوة نحو تهدئة الأوضاع، يستغلها الاحتلال كذريعة لمضاعفة الاعتقالات، وكأنه يسعى إلى “تعويض” الأسرى الذين اضطر إلى الإفراج عنهم، عبر زجّ المزيد من الفلسطينيين في السجون، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.
ويعتمد الاحتلال على سياسة الاعتقالات كأداة لقمع الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، حيث تتم هذه الاعتقالات دون مذكرات قانونية أو تهم واضحة، وغالباً ما تكون مبنية على ذرائع فضفاضة مثل “التحريض” أو “التواصل مع جهات معادية”.
وتندرج هذه الاعتقالات ضمن نمط طويل من الممارسات الإسرائيلية التي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي، وهو أمر محظور بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر الاعتقال التعسفي والنقل القسري لسكان الأراضي المحتلة.
كما أن اعتقال المدنيين كرهائن، وهو ما يحدث بشكل متكرر في الاقتحامات الأخيرة، يعدّ انتهاكاً خطيراً لقواعد القانون الدولي.
ولم تقتصر الانتهاكات على الاعتقالات فحسب، بل رافقها تحويل العديد من المنازل الفلسطينية إلى ثكنات عسكرية، وسط عمليات تدمير ممنهجة للبنية التحتية، شملت هدم المنازل وتفجيرها، إلى جانب القصف العشوائي، خاصة في محافظات جنين وطولكرم وطوباس، حيث يتواصل العدوان بلا هوادة.
ولا تستهدف هذه الانتهاكات الأفراد المعتقلين وحسب، بل تسعى إلى خلق حالة من الترهيب الجماعي، في محاولة لفرض مزيد من الهيمنة على الفلسطينيين عبر تكريس بيئة من القمع والخوف المستمر.
وعلى الرغم من أن القانون الدولي يمنع الاعتقالات الجماعية والاحتجاز التعسفي، إلا أن سلطات الاحتلال تواصل تصعيد هذه الانتهاكات وسط غياب المحاسبة الدولية.
إن الإفراج عن بعض الأسرى ضمن صفقات تبادل، ثم ملاحقة غيرهم واعتقالهم بشكل ممنهج، يكشف أن الاحتلال يستخدم الأسرى الفلسطينيين كورقة مساومة، دون أي التزام حقيقي بالقوانين الدولية. بل إن سياسته تقوم على إعادة ملء السجون الفلسطينية باستمرار، في دورة قمعية لا تنتهي.
وتؤكد الاعتقالات الأخيرة في الضفة، وما يرافقها من انتهاكات جسيمة، أن الاحتلال لا يتعامل مع الأسرى الفلسطينيين وفق الأطر القانونية، بل يراهم مجرد أرقام يمكن استبدالها أو تعويضها في أي لحظة. وبينما يتم إطلاق سراح بعضهم نتيجة اتفاقات سياسية؛ يواصل الاحتلال اعتقال آخرين، ضارباً بعرض الحائط أبسط المعايير الحقوقية، ليبقى الفلسطينيون بين مطرقة الاعتقال وسندان الاحتلال المستمر.