تواصلت الاعتداءات المنظمة التي ينفذها مستوطنون إسرائيليون ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، في تصعيد يرافقه دعم مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ضمن نمط متكرر من العنف يهدف إلى فرض وقائع استيطانية جديدة على الأرض.
ففي منطقة برية كيسان شرق بيت لحم، أقدمت مجموعة من المستوطنين على تدمير محمية طبيعية فلسطينية تمتد على مساحة نحو 100 دونم، كما استولوا على خلايا شمسية ومولدات كهرباء تعود ملكيتها للمواطن حسن الشعلان.
وفي الأغوار الشمالية؛ اقتحم مستوطنون منزلاً في خِربة أبزيق وسرقوا محتوياته وعمدوا إلى تخريبها، كما أضرموا النار في مسكن زراعي بسيط بمنطقة قاعون، كان يستخدم كملاذ للعمال والمزارعين في أوقات الراحة خلال ساعات الحر الشديد، ما يهدد سلامتهم في منطقة نائية تفتقر لأبسط مقومات الحماية.
كما سجلت اعتداءات “رعوية” في تجمع شلال العوجا شرق الضفة، حيث اقتحم مستوطنون الموقع بأغنامهم، في خطوة عدوانية تستهدف ترهيب السكان الفلسطينيين ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم.
أما في شمال الضفة؛ فقد أُحرقت أراضٍ زراعية في قرية بُرقة شمال غرب نابلس من قبل مستوطنين مدعومين بعناصر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حين أطلق جنود الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المنازل الفلسطينية.
وتمثل هذه الممارسات جزءاً من استراتيجية أوسع ترمي إلى تفريغ المناطق الرعوية والزراعية من سكانها الفلسطينيين الأصليين، لتوسيع رقعة المستوطنات غير الشرعية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأرض المحتلة.
ويعكس هذا النمط المتكرر من الهجمات سياسة ممنهجة، يتداخل فيها العنف الاستيطاني مع الغطاء العسكري الرسمي، ما يجهز على أبسط مقومات الوجود الفلسطيني، خصوصاً في المناطق المصنفة (ج) التي تقع تحت سيطرة الاحتلال الكاملة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وثّق مسؤولون فلسطينيون مقتل 29 فلسطينياً في الضفة الغربية على يد مستوطنين، بينهم 7 منذ بداية العام الجاري، في وقت يصف فيه متابعون هذا العنف بأنه تطهير بطيء يُمارس بصمت نسبي وبعيداً عن عدسات الإعلام.
وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن الاحتلال ومستوطنيه قتلوا منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة ما لا يقل عن 1010 فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأصابوا نحو 7 آلاف، واعتقلوا أكثر من 18 ألفاً، في حملات تتسم بالقسوة والاستهداف الجماعي.
أما في غزة؛ فيواصل الاحتلال حربه الواسعة التي طالت كل مقومات الحياة، وسط تجاهل للقرارات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف الإبادة الجماعية، ما أدى إلى سقوط أكثر من 206 آلاف ما بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى آلاف المفقودين ومجاعة أودت بحياة العديد.
ويُنظر إلى ما يحدث في الضفة الغربية على أنه مكمّل لحرب شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني برمّته، وتتجاوز كونها مجرد “ردود فعل أمنية”، بل تندرج ضمن مشروع استعماري طويل الأمد يسعى لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتجريده من حقه في الأرض والحياة والسيادة.