واصلت السلطات المصرية تصعيدها القضائي ضد السياسي والمعارض البارز يحيى حسين عبد الهادي، بعد أن وجهت إليه نيابة أمن الدولة العليا، الثلاثاء، مجموعة جديدة من الاتهامات ذات الطابع السياسي، في القضية رقم 3916 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، وذلك بالتزامن مع استمرار حبسه الاحتياطي في سجن العاشر من رمضان.
وشملت الاتهامات الموجهة لعبد الهادي الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وتمويل الإرهاب، والتحريض على ارتكاب جرائم إرهابية، إلى جانب إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تهم أصبحت نمطية في قضايا الرأي في مصر خلال السنوات الأخيرة.
وقد توسعت النيابة في لائحة الاتهام لتشمل كذلك “التحريض على استخدام القوة والعنف ضد مؤسسات الدولة، والترويج لجريمة إرهابية، واستخدام الإنترنت لارتكاب جريمة إرهابية”، وفقاً لما ورد في محاضر التحقيق.
وواجهت النيابة عبد الهادي بمقالاته وتدويناته، خصوصاً تلك التي نشرها على صفحته الشخصية على “فيسبوك”، واعتبرتها دليلاً على “التحريض” و”بث الشائعات”، إلا أن عبد الهادي تمسّك بكل ما نشره، قائلاً أمام المحقق: “كل كلمة كتبتها على حسابي أعتز بها وأتشرف بها”، في موقف يعكس تمسكه بقناعاته رغم ضغوط المحاكمة والسجن.
ويأتي هذا التصعيد بعد واقعة اختفاء مثيرة للقلق، حيث اختفى عبد الهادي بشكل مفاجئ من أحد شوارع القاهرة بينما كان في طريقه لحضور ندوة سياسية، قبل أن يظهر لاحقاً داخل مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، حيث تم التحقيق معه وبدء إجراءات الحبس الاحتياطي دون تمكين أسرته أو محاميه من التواصل معه في الساعات الأولى من اعتقاله.
وتشير خلفيات القضية إلى أن المقال الذي كتبه عبد الهادي بعنوان “إلى متى يصمت الجيش؟” كان السبب المباشر في تحرك الأجهزة الأمنية ضده، حيث تناول فيه انتقاداً مباشراً لدور المؤسسة العسكرية في الشأن العام، ودعا لعودتها إلى دورها المهني والدستوري بعيداً عن السياسة والاقتصاد، ما اعتُبر تجاوزاً للخطوط الحمراء في السياق السياسي المصري الراهن.
ويُعد يحيى حسين عبد الهادي من أبرز رموز المعارضة المدنية في مصر، وعُرف بمواقفه الرافضة لإغلاق المجال العام، ودعواته المتكررة للحوار السياسي والعودة إلى دولة القانون. كما لعب دوراً سابقاً في كشف ملفات فساد حساسة أثناء عمله الحكومي، ما وضعه منذ سنوات في موقع المواجهة مع السلطة التنفيذية وأجهزتها.
ويعكس احتجاز عبد الهادي ومحاكمته على خلفية كتاباته اتجاهاً مقلقاً نحو تجريم الرأي في مصر، وتكريس سياسة مطردة تستخدم قوانين الإرهاب لتقويض حرية التعبير، وإسكات الأصوات المستقلة، وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للعدالة التي تقتضي الفصل الواضح بين التعبير السلمي والتحريض على العنف.
إن استمرار حبس عبد الهادي، رغم كونه تجاوز الستين من عمره ويعاني ظروف احتجاز قاسية، يُثير مخاوف حقيقية على حالته الصحية والنفسية، ويضع علامات استفهام إضافية على جدية الدولة في احترام الحقوق الأساسية للمواطنين، بما في ذلك الحق في الحرية، والمحاكمة العادلة، والكرامة الإنسانية.