تشهد الأراضي السودانية واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم، وسط حرب مستمرة منذ أكثر من عام ونصف بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، خلفت وراءها دماراً هائلاً ومعاناة لا توصف.
ومع غياب أي أفق سياسي للحل؛ يتزايد حجم الاحتياج الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل انحسار المساعدات وتراجع الاستجابة الدولية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
وتُظهر الوقائع أن المدنيين هم الضحايا الأكبر في هذه الحرب، حيث يعيش الملايين تحت رحمة الجوع والنزوح وانعدام الأمن. فوفق معطيات ميدانية وشهادات متطابقة، تتعرض مناطق النزاع لانتهاكات جسيمة تمسّ الحق في الحياة والكرامة والأمان، بما في ذلك القتل خارج القانون، والاعتداءات الجنسية، واستهداف المرافق المدنية والطبية، فضلاً عن حرمان السكان من المساعدات الأساسية.
وفي هذا السياق؛ حذّرت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، من أن “حجم الاحتياج الإنساني في السودان كبير للغاية”، مشيرة إلى أن أزمة النزوح الحالية وصلت إلى “نطاق هائل”، مع تزايد التقارير عن العنف المروع ضد المدنيين.
وجاءت تصريحات بوب خلال إحاطة صحفية من العاصمة الخرطوم، أكدت فيها أن زيارتها التي تستمر خمسة أيام تهدف إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى مأساة تتفاقم في ظل تراجع الدعم الإنساني العالمي.
وأضافت أن “الأوضاع الميدانية في مناطق النزاع مروعة”، كاشفة عن نزوح أكثر من 90 ألف شخص من مدينة الفاشر خلال الأسبوعين الماضيين، ونحو 50 ألفاً من إقليم كردفان، نتيجة تصاعد القتال بين الجيش و”الدعم السريع”.
وأشارت إلى أن النازحين يواجهون “مخاطر مروعة على طول الطريق”، حيث أبلغ كثيرون عن “العنف الجنسي، وإطلاق النار على المدنيين، ورؤية جثث القتلى على الطرقات”.
وتابعت بوب أن الهدف من وجودها في البلاد هو “ضمان حصول الفئات الأكثر ضعفاً، خصوصاً النساء والأطفال، على الخدمات التي يحتاجونها”، مشددة على ضرورة “حل سياسي وسلمي يضع حداً للمأساة”.
وأكدت المسؤولة الأممية أن الإمكانيات الحالية “لا تفي بالحاجة”، رغم بعض محاولات الوصول إلى مناطق منكوبة مثل مدينة الطويلة في شمال دارفور، داعية إلى فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات، ووقف فوري لإطلاق النار لتأمين وصول الإغاثة إلى المحتاجين.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن عدد النازحين داخلياً في السودان تجاوز 13 مليون شخص، في واحدة من أكبر موجات النزوح في التاريخ الحديث، بينما تتهدد المجاعة ملايين الأسر التي لم تعد تجد مأوى ولا غذاء ولا رعاية طبية.
وتؤكد المعطيات الحقوقية أن استمرار الحرب بهذه الوتيرة، مع غياب الإرادة الدولية الفاعلة، يرسّخ واقعاً من العقاب الجماعي والتقسيم الجغرافي، ويهدد بانهيار المنظومة الإنسانية برمتها.
ففي الوقت الذي تواصل فيه الأطراف المتحاربة تبادل الاتهامات، يواصل المدنيون وحدهم دفع الثمن، في بلد يقف اليوم على حافة الانهيار الكامل، وتنتظر أرواحه المنسية التزاماً دولياً يتجاوز لغة الإدانات إلى خطوات عملية تضع الإنسان أولاً.


























