في أعقاب الثالث من يوليو/تموز 2013 حوكم آلاف المعارضين المدنيين أمام المحاكم العسكرية بينهم صحفيين على خلفية اتهامهم بقضايا تتعلق بمعارضة السلطات والنشر عن القوات المسلحة في استخدامات معيبة للقوانين المعمول بها منذ عقود وخاصة القانون رقم 25لسنة 1966 والذي يسمح بمحاكمة المدنيين إذا ما تعلقت الجريمة بالقوات المسلحة أو بمعداتها أو مصانعها أو سفنها.
ولم تكتف السلطات المصرية بعيوب القانون الموجودة أصلا فأصدر الرئيس المصري قراراً بقانون رقم 136 لسنة 2014 بتاريخ 27/10/2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، يخول بموجبه القوات المسلحة مشاركة الشرطة في تأمينها، على أن يسري هذا القانون لمدة عامين وتُحال الجرائم التي ترتكب ضد هذه المنشآت من النيابة العامة إلى النيابة العسكرية، تمهيداً لعرضها على القضاء العسكري، وقرر القانون أن المنشآت الحيوية ستأخذ حكم المنشآت العسكرية طوال فترة تأمينها وحمايتها بمشاركة القوات المسلحة.
الأحكام القانونية في مصر تبين بشكل واضح انعدام الحياد والاستقلال في القاضي العسكري الذي هو في حكم القانون مجرد تابع لوزير الدفاع (قائده الأعلى) وخاضعا لأوامره وتعليماته، وأن الحكم العسكري لا قيمة له إلا بتصديق القائد الأعلى له، والذي يملك أن يعدل هذا الحكم أو أن يلغيه دون محاكمة، فلا يكون القضاء العسكري إلا انعكاسا لإرادة القائد الأعلى للقوات المسلحة لا وفق ما يتم بحثه في أوراق القضية أو ما يمكن أن يقدمه الدفاع.
فضلا عن كون المحاكمات العسكرية للمدنيين غير قانونية من الأساس بحكم القانون الدولي، إلا أن طبيعة المحاكمات العسكرية للمعارضين في مصر ترتبط بجملة من الانتهاكات الجسيمة التي تزيد كثيرا على تلك التي يتعرض لها المعارضون عموما في مختلف مقار الاحتجاز المصرية، أبرزها تعريض المعتقلين للاختفاء القسري والتعذيب.
بعد إصدار النظام المصري القانون الذي وسع صلاحيات القضاء العسكري، أحيل إلى القضاء العسكري أكثر من 8400 معارضا مدنيا للمحاكمة، واتجهت أحكام القضاء العسكري إلى إصدار أحكام بالإدانة بعقوبات مغلظة على المتهمين على خلفية تلك القضايا في ظل نسف حقوق المتهمين الأساسية، وإهدار كامل لمعايير المحاكمة العادلة التي تتعارض في الأصل مع مبدأ محاكمة المدنيين أمام قاضي عسكري.
من بين أولئك المحالين صدرت أحكام من القضاء العسكري المصري بحق 3391 معارضا مدنياً، على خلفية اتهامهم في 138 قضية، من بينهم 3203 حكم عليهم بالإدانة بأحكام مختلفة، بالإضافة إلى صدور أحكام ببراءة 188 شخصاً فقط، توزعت أحكام الإدانة حسب الأعوام، 34 عام 2014، و1915 عام 2015 بينهم 13 قاصراً، و1254 عام 2016 بينهم 4 قصر.
كانت تلك الأحكام من حيث نوع العقوبة الحبس من شهر لأقل من 3 سنوات بحق 203 شخصاً، وبالسجن من 3 وحتى 5 سنوات بحق 175، وبالسجن أكثر من 5 سنوات بحق 1176، وبالسجن المؤبد بحق 1583 شخصاً، كما صدرت أحكاماً بإعدام 52 شخصاً منهم 6 أشخاص تم رفض الطعن المقدم منهم على الحكم، والذي نُفذ بالفعل في مايو/أيار 2015 على خلفية اتهامهم في القضية المعروفة إعلامياً بعرب شركس، هذا بالإضافة إلى الحكم بالغرامة فقط على 14 شخصاً في 3 قضايا بمبالغ مالية تراوحت بين الـ 50 ألف والـ 100 ألف جنيهاً، مع اقتران أغلب الأحكام العسكرية الصادرة بالسجن والحبس المذكورة بغرامات مالية باهظة.
أحكام الإعدام العسكرية جاءت على خلفية اتهامات في سبعة قضايا مختلفة، وهم القضية المعروفة إعلامياً بقضية عرب شركس، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية ملعب الهوكي، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية كمين الجورة، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية كمين (الصفا3)، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية الخلايا العنقودية بمحافظة الغربية، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية تفجير استاد كفر الشيخ، والقضية المعروفة إعلامياً بقضية لجنة العمليات المتقدمة.
المشترك في كل تلك القضايا أنها جاءت دون أي أدلة مادية تثبت قيام المتهمين بالجرائم المنسوبة إليهم، وأن كافة تلك القضايا كغيرها من القضايا التي يزج بالمعارضين إليها بنيت فقط على تحريات وشهادات الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى اعترافات تم إجبار المعتقلين على الإدلاء بها تحت وطأة التعذيب وبعد أيام طويلة من تعرضهم للاختفاء القسري.
بدا واضحا أن النظام المصري مازال غير راغب في تحقيق العدالة ، والمحاكمات سواء كانت مدنية أوعسكرية ما هي إلا وسيلة لإضفاء المشروعية على أوامر إدارية صادرة من هذا النظام لقمع المعارضين، فقيامه بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أكبر دليل على ذلك، حيث إن تلك المحاكمات تشكل انتهاكاً جسيما للقوانين الدولية وإهدارا كاملا للحق في المحاكمة العادلة، لاسيما وأن هذه المحاكمات تعتمد على أدلة واهية ومفبركة واعترافات انتزعت تحت ضغط وتهديد وتعذيب وحشي، في ظل حرمان المعتقلين من أي فرصة للانتصاف القانوني.
بالإضافة إلى أن أحكام الإعدام الصادرة من محاكم عسكرية مصرية على مدنيين تثير المخاوف من تكرار جريمة السلطات المصرية في حق المتهمين في قضية (عرب شركس)، حيث صدر بحقهم حكم إعدام عسكري وتم تنفيذه في مايو/أيار من العام 2015 على الرغم من تقديم دفاع المتهمين وأسرهم ما يثبت بطلان الاتهامات.