أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن أسفها لاستمرار حالات الاعتقال والتعذيب في سجون السلطة الفلسطينية في ظل أجواء الربيع العربي وحتى ابان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وبعدها، وحملت الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا المسؤولية الكاملة عن هذه الإنتهاكات التي تعتبر وفقا للقانون الدولي انتهاكا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي حقوق المواطنين زمن الإحتلال.
وأورد تقرير مفصل للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، غطت فيه ممارسات أجهزة أمن السلطة على مدى 5 أعوام بين عامي 2007 و2011، وركزت على الأشهر الستة الأولى من العام الجاري من كانون ثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) الماضي، أرقاما لعدد المعتقلين من طرف أجهزة أمن السلطة أو لأولئك الذين اعتقلتهم أجهزة أمن الاحتلال بناء على معطيات تلقتها من السلطة الفلسطينية.
وتشير البيانات التي تم جمعها التقرير أنه في الفترة الممتدة من حزيران (يونيو) 2007 حتى نهاية عام 2011 اعتقلت قوات أمن السلطة الفلسطينية 13271 مواطنا فلسطينيا، تعرض96% منهم لمختلف صنوف التعذيب أودى بحياة ستة معتقلين، وتسبب لبعضهم بأمراض مزمنة، كما أن 99% من المعتقلين جربوا الإعتقال لدى الإحتلال وأنهم اعتقلوا لدى السلطة على نفس التهم التي اعتقلوا عليها لدى الإحتلال. وفي نفس الفترة نفذ جيش الإحتلال حملات اعتقال ومداهمات طالت آلاف المعتقلين الفلسطينيين، حيث تشير الإحصائيات الى اعتقال 9765 مواطنا فلسطينيا الكثير منهم سبق اعتقاله لدى السلطة الفلسطينية ووجهت لهم تهم بناء على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية والملاحظ ان حجم الإعتقالات التي نفذتها أجهزة السلطة تفوق حجم الإعتقالات التي نفذها الإحتلال.
ونفى التقرير الأنباء التي تحدثت عن أن السلطة الفلسطينة خففت من عمليات الإعتقال السياسي وأوقفت عمليات التعذيب المنهجية العام الماضي، وأكد أن المعطيات التي تم جمعها في الفترة الممتدة من كانون ثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) الماضي، تفيد أن أجهزة أمن السلطة بعد سنوات من الإستهداف المكثف للناشطين وفراغ بنك الأهداف اعتمدت سياسة التطهير للإطمئنان أن عملياتها السابقة حققت نتائجها فانتهجت استراتيجية الإعتقال لمدة يوم أو يومين أو أكثر من ذلك والإستدعاء والإقامة الجبرية والغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا سبق اعتقالهم لدى اجهزة أمن السلطة الفلسطينة وقوات الإحتلال لفترات طويلة.
ووفقا للإحصائيات للفترة من كانون ثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) الماضي، يتبين أن أجهزة امن السلطة قامت باعتقال 572 مواطنا كما قامت باستدعاء 770 مواطنا منهم نساء وشيوخ، حيث يجبر هؤلاء على الإنتظار من الصباح حتى المساء في انتظار مقابلة الضابط المعني ومنهم من استمر استدعاؤه يوميا لمدة شهر كامل كما خضع عدد من المواطنين للإقامة الجبرية في المنزل، كما شهدت هذه الفترة مداهمات للجامعات والمشافي والمنازل لاعتقال عدد من المطلوبين شاركوا باحتجاجات ضد الإحتلال الإسرائيلي ولم تميز السلطة في حملاتها بين المواطنين فحملات الإعتقال شملت النساء والرجال منهم كبير السن، الأسير المحرر، الطبيب، المهندس، رجل الإصلاح، المعلم، استاذ الجامعة، وأنها خلال المداهمات صادرت الأجهزة مبالغ مالية شخصية مخصصات أسرى محررين، كما تم في نفس الفترة رصد حالات مورس بحقها التعذيب الشديد وحالات تعرض فيها معتقلون للركل واللكم والشتم ومختلف صنوف المعاملة الحاطة من الكرامة.
ورأى التقرير أن هذه الأرقام تبين أن وقف عمليات التعذيب المنهجي على نطاق واسع لم يتم بقرار سياسي وإنما فرضه الواقع بسبب خلو بنك الأمن من الأهداف، والدليل على ذلك إن وجد هدف ورأت الاجهزة الأمنية أنه بحاجة إلى تعذيب لانتزاع اعترافات فإنها لا تتوانى عن القيام بالتعذيب.
وحسب التقرير فإن عدد المعتقلين في سجون السلطة الآن لا يعرف على وجه الدقة إلا انه يبقى متأرجحاً بين 40 و 85 معتقلاً يزيد وينقص بناء على الحملات التي تُشن بين الفينة والأخرى من قبل الأجهزة الأمنية، وأشارت إلى أن المذهل أن أجهزة الأمن خصصت للمعتقلين ما يقارب ألـ 43 مركز بين سجن مركزي ومحطة توقيف خارج رقابة القضاء.
وذكر التقرير أن ممارسات الأجهزة الأمنية لم تقتصر على الإعتقال والإستدعاء والتعذيب وإنما شمل أيضا ملاحقة المواطنين في لقمة العيش، حيث تم فصل ما يقارب 73 مواطنا من وظائفهم في الفترة المذكورة وتشير التقديرات انه خلال خمس سنوات منذ عام 2007 وحتى الأن فصلت الأجهزة الأمنية ما يقارب 3200 موظف على خلفية الإنتماء السياسي، ليس هذا فحسب فهناك ما يسمى بالمسح الأمني للمواطنين وعلى وجه الخصوص الطلاب الذين على وشك التخرج حيث كل من تتوفر بحقه تقارير أمنية نتيجة المسح يرفض توظيفة ويحتاج إلى موافقة أمنية قبل الحصول على رخصة للقيادة او فتح محل أو التوظف في مؤسسة خاصة.
وأكد التقرير أن ممارسات السلطة تتم بالتنسيق الوثيق مع الإحتلال، وقال: “في نفس الفترة قامت قوات الإحتلال الإسرائيلي باعتقال ما يقارب 1300 مواطنا فلسطينيا يشكل الأطفال منهم نسبة 30% وكانت مدينة القدس والخليل الأكثر عددا في عمليات الإعتقال حيث تم اعتقال 550 مواطنا من مدينة الخليل و80 طفلا من مدينة القدس، والملاحظ ان اعتقالات واستدعاءات أجهزة أمن السلطة في هذه الفترة تفوق او تضاهي اعتقالات الإحتلال”.
وأعرب التقرير عن أسفه لأن هذه الانتهاكات تجري بدعم مادي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقال: “على الرغم من الإنتهاكات الجسيمة لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية حظيت هذه الأجهزة بدعم كبير من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي فوفقا للوثائق التي تم الحصول عليها فإن الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2007قدمت دعما سخيا يقدر بـ 658.4 مليون دولار ومن أجل السنة المالية 2013 طالب أوباما بمبلغ إضافي قدره 70 مليون دولار. كما تعهدت الولايات المتحدة الامريكية بتدريب6000 جندي وقد تم تم تدريب 8 كتائب كل كتيبة تشمل 500 عنصر.أما الإتحاد الأوروبي فخصص عبر ما يسمى بعثة البوليس الأوروبية ما معدله 9 مليون يورو سنويا للقيام بتدريب الشرطة وتطوير قسم العدالة الجنائية، حيث تم تدريب ما يقارب7500 ضابط شرطة”.
واستغرب التقرير استمرار هذه الانتهاكات في ظل الربيع العربي، وقال: “إن ما يثير الإستهجان أنه في ظل الربيع العربي ومطالبة الشعوب العربية بحريتهم ونجاحهم بالإطاحة برؤوس عدد من الأنظمة التي سامتهم سوء العذاب ومنعت عنهم الحرية تستمر السلطة الفلسطينية بانتهاكاتها غير آبهة بالحراك الذي حولها مستقوية بالإحتلال الإسرائيلي والداعمين لها من الأمريكيين والأوروبيين ضد شعب أعزل يعاني الأمرين من ممارسات الإحتلال وهو من أكثر الشعوب توقا لنيل حريته وتقرير مصيره، إن انتهاكات السلطة الفلسطينية بحق المواطنين الفلسطينيين ضاعف من معاناتهم تحت الإحتلال وأضر بالمناعة الوطنية اللازمة لتقرير المصير. ومن المؤكد أن قادة السلطة الفلسطينية لم يستوعبوا الدروس من السنوات الماضية ومما تشهده بعض الدول العربية من ثورات فهي ماضية بالإعتقالات وضرب اللحمة الوطنية خدمة لإجندات خارجية ضربت مشروع التحرر الوطني الفلسطيني في الصميم”.
وأكد التقرير أن حصول السلطة على دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة يحتم على قادتها الإلتزام بالمواثيق والقوانين الدوليه التي تحمي حقوق الإنسان في أوقات السلم والحرب ، وشدد على أن الدولة التي تخرج من رحم الإحتلال يجب أن تؤسس على بنيان سليم عماده حق الإنسان الفلسطيني بالحياة والحرية.
وأعربت المنظمة عن أسفها لأنها كانت تأمل بعد الحرب الطاحنة على قطاع غزة بوقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل ووقف الإعتقالات والإستدعاءات إلا أن ذلك لم يحدث أبدا حتى هذه اللحظة، وقال التقرير: “إنه وحتى في ظل الحرب سجل عدد كبير من الإعتقالات على الرغم من حركة تضامن الشعب الفلسطيني بكل شرائحة ضد العدوان على قطاع غزة”.
وحملت المنظمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا المسؤولية الكاملة عن هذه الإنتهاكات التي تعتبر وفقا للقانون الدولي انتهاكا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي حقوق المواطنين زمن الإحتلال. ودعت أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي للضغط على الرئيس محمود عباس من أجل وقف كافة أشكال الإعتقالات السياسية والتنسيق الأمني الذي يضر بمصالح الشعب الفلسطيني.