جراء الأحداث المتعاقبة في مصر منذ الثالث من يوليو/تموز 2013 اتسعت عمليات الإعتقال التعسفي في حق المعارضين لتشمل كافة شرائح المجتمع المصري، وصل عدد المعتقلين داخل مقار الإحتجاز المصرية أكثر من 40 ألف معتقل معارض، في أعقاب عمليات الإعتقال التعسفي تلك تعرض آلاف المواطنين للإختفاء القسري والتعذيب بمختلف صنوفه على يد الأجهزة الأمنية المختلفة.
السلطات المصرية دائما ما تتنصل من المسؤولية وتدعى أن التعذيب في مصر ليس إلا ممارسات فردية من بعض الأفراد وسرعان ما يتم محاسبتهم، وهو ادعاء تكذبه الأدلة التي تم جمعها حول تلك الجريمة.
في إطار دراسة واقع مقار الاحتجاز المصرية وبحسب أدلة تم جمعها من عمليات رصد وتوثيق دقيقة لأكثر من 600 شخص تعرضوا للإعتقال في الفترة منذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013 وحتى مطلع مارس/آذار 2016، بالإضافة إلى نتائج استبيان وزع على عينة عشوائية من 429 معتقل في 10 مقار احتجاز في 8 محافظات مصرية يتأكد أن ظاهرة التعذيب متفشية ومنهجية يتبناها النظام في مصر.
أساليب التعذيب الوحشية التي يمارسها الأمن المصري متشابهة تماما في مختلف مقار الإحتجاز فمنها التعذيب النفسي والذي يبنى على تخويف المعتقل وإرهابه ومعاملته بشكل مهين وحاط من الكرامة، ومنها المادي الذي يؤثر وبشكل مباشر على جسد المعتقل، مثل التشريفة، الصفع والجلد، الصعق بالكهرباء، التعليق، التعريض للصقيع، هتك العرض، التجويع، التقييد داخل الزنازين، التكدس داخل الزنازين، سكب سوائل ساخنة أو مواد حارقة على الجسد عارياً، الضرب بآلات حادة أو رضية تسبب جروح غائرة في الجسد أو كسور وتورم للجسد، ربط العينين لأيام طويلة أو الإحتجاز في مكان مظلم، الضرب على الخصية أو عصرها باليدين بقوة، بالإضافة إلى كشوف العذرية والتحرش بالمعتقلات الإناث.
وجاءت نتيجة الإستبيان بتعرض 88.1% من إجمالي المحتجزين الذين شملهم الإستبيان للصفع أثناء التحقيق، 45.5% منهم تعرضوا للجلد، 69.9% تعرضوا للصعق بالكهرباء، 49.9% تم ضربهم بآلة حادة أثناء عملية التحقيقات، 51.7% تعرضوا للتعليق، 59.4% جُردوا من ثيابهم وتعرضوا لسكب المياه الباردة عليهم، 8.4% تعرضوا لهتك العرض، و16.1% تم سكب سوائل ساخنة على أجسادهم.
كما أجاب 87.4% من المعتقلين المشاركين في الإستبيان بنعم حول استقبالهم بالتشريفة فور دخولهم مقر الإحتجاز، 72.7% تعرضوا للتجويع ومنعهم من العلاج لفترات، و71.3% تم وضعهم في الزنازين مكبلين اليدين لساعات.
وحول تعرض المعتقلين الذين شملهم الإستبيان للتعذيب النفسي والمعاملة الحاطة من الكرامة كالسب والشتم والتهديد أكد 411 من العينة بتعرضهم للتعذيب النفسي أي بنسبة 95.8%.
نتيجة البحث تؤكد أن التعذيب ينتشر في مختلف مقار الإحتجاز في الدولة المصرية دون استثناء، كما يتشابه كثيرا في وسائله رغم اختلاف الأشخاص القائمين عليها، ورغم اختلاف مواقع تلك المقار من محافظة إلى أخرى، كما تمتنع الجهات القضائية عن التحقيق في الغالبية العظمى من شكاوى التعذيب، بالإضافة إلى انتشار التصوير التلفزيوني للمتهمين وهم يدلون باعترافاتهم داخل مقار الإحتجاز وتبدو عليهم آثار التعذيب.
تقوم السلطات المصرية بانتهاج التعذيب لتحقيق مجموعة من الأهداف مثل انتزاع المعلومات أو إجبار المعتقل على الإعتراف بارتكابه جرائم جنائية، أو كسر إرادته وإذلاله وإلحاق نوع من الهزيمة النفسية به، كما يكون التعذيب في كثير من الأحيان بغرض الحصول على معلومات عن معارضين آخرين، أو الوصول إلى القيادات التي تقود المعارضة، وكنتيجة مباشرة لتفشي مناخ الإفلات من العقاب لرجال الأمن بدأ الضباط وأمناء الشرطة في استغلال مناصبهم للتنكيل بمواطنين لمجرد خلاف شخصي.
ينتشر وباء التعذيب داخل أقسام الشرطة المصرية والتي تبلغ 328 قسم ومركز، حتى اشتهرت بين المواطنين مسميات ثابتة للأماكن المعدة للتعذيب داخل كل قسم تحت مسمى “الثلاجة” أو “السلخانة”، وهي غرف مخصصة للتعذيب يتم بداخلها استخدام كافة أساليب التعذيب الوحشية على المعتقل.
تسببت عمليات التعذيب في وصول آلاف المعتقلين إلى ساحات المحاكم بأوراق وتحقيقات تحوي اعترافات موقعة منهم، وفي ظل انهيار منظومة العدالة في مصر والتسييس الذي تعاني منه المنظومة القضائية فقد اعتبرت المحاكم هذه الإعترافات تعبر عن الحقيقة وأصدرت أحكاما قضائية قاسية تصل إلى السجن المؤبد والإعدام، فمنذ الثالث من يوليو/تموز 2013 وحتى الآن أحيلت أوراق 1784 معتقلاً معارضاً إلى مفتي الجمهورية، تم التصديق على إعدام 720 منهم بينهم امرأتين، نفذ من تلك الأحكام إعدام 7 أشخاص على خلفية اتهامهم في قضية عرب شركس وقضية سطح سيدي جابر، وجميع هؤلاء الضحايا تعرضوا للتعذيب وأجبروا على الإعتراف بالتهم التي حوكموا بموجبها.
كما بلغ عدد الذين قتلوا جراء التعذيب 86 شخصاً على الأقل من أصل 366 شخصاً توفوا في الفترة منذ يوليو/تموز 2013 وحتى الآن، وهو رقم مفزع يشير إلى مدى القسوة التي تتسم بها عمليات التعذيب تلك بالإضافة إلى عشرات المعتقلين الذين أصيبوا إصابات بالغة وبعاهات مستديمة جراء التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له داخل مقار الاحتجاز المصرية.
وعلى الرغم من قيام الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 اعتراضاً على الانتهاكات المرتكبة في حق الشعب من قبل أفراد الأمن، فقد عاد وبــاء التعذيــب للانتشار مرة أخرى بعد الثالث من يوليو/تموز 2013 فــي كافــة مراكــز التوقيــف والســجون المصرية وأصبح يمـارس بشـكل منهجـي، على كافة السجناء دون التفرقة بين فئة وجنس المسجون وانتماؤه الفكري.
المجتمع الدولي مدعو إلى اتخاذ مواقف واضحة من جرائم النظام المصري ضد مختلف النشطاء وتشكيل لجان تقصي حقائق في وقائع التعذيب والقتل جراء التعذيب داخل مقار الاحتجاز الرسمية والغير رسمية.