تُواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها المتصاعد على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ111 على التوالي، وسط تصعيد ميداني متواصل، يُترجم على الأرض عبر حصار خانق، وهدم للمنازل، وتهجير جماعي للسكان، وتحويل الأحياء السكنية إلى ثكنات عسكرية مغلقة.
ويستمر الحصار المفروض على مخيم نور شمس بطولكرم منذ 98 يومًا، في ظل حملة عسكرية غير مسبوقة، شملت اقتحامات يومية، تدمير للبنية التحتية، واستهداف مباشر للمدنيين وممتلكاتهم، حيث تدفع قوات الاحتلال بشكل مستمر بآلياتها العسكرية نحو المدينة ومخيميها، وتُطلق أبواق مركباتها بشكل استفزازي، وتعرقل حركة المواطنين، وتُقيم الحواجز العسكرية الطيارة في الطرقات، لا سيما وسط المدينة وفي مداخلها الحيوية.
وتركزت الإجراءات التعسفية مؤخرًا في المنطقة الجنوبية للمدينة، وتحديدًا أسفل جسر جبارة، حيث تنتشر قوات مشاة تابعة للاحتلال تعترض المركبات، وتُوقف الشبان، وتُخضعهم للتفتيش والاستجواب، في مشهد يومي من الإذلال والمضايقة.
كما تقوم تلك القوات بإغلاق الجسر لساعات، ثم إعادة فتحه، بالتوازي مع نصب حواجز فجائية وتفتيش السيارات وتنكيل بالركاب، ما أدى إلى شلّ حركة الدخول والخروج، خاصة من قرى الكفريات والبلدات المجاورة.
وعلى مدار الأسابيع الماضية؛ تعرّض مخيم نور شمس لتدمير هائل، شمل هدم أكثر من 20 مبنى سكنيًا، وتهجير قسري لآلاف العائلات. وطالت عمليات الهدم حارات سكنية مكتظة مثل المنشية، والمسلخ، والجامع، والشهداء، والعيادة، في إطار خطة الاحتلال لهدم ما يزيد عن 106 بنايات سكنية في المخيمين، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا للحق في السكن والحياة الآمنة.
وتفيد الإحصاءات المحلية بأن العدوان أدى إلى مقتل 13 مواطنًا، من بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل في شهرها الثامن، إلى جانب إصابة واعتقال العشرات، وتدمير أكثر من 400 منزل بشكل كامل، و2573 منزلًا بشكل جزئي، وتضرر عشرات المحال التجارية والمركبات، إما عبر القصف أو الحرق أو التخريب أو النهب المباشر.
ويُشير استمرار تدمير الأحياء، وإغلاق مداخل المخيمات بالسواتر الترابية، إلى نية مبيّتة لتحويل المخيمات إلى مناطق معزولة وخالية من الحياة، الأمر الذي يُراد به إعادة هندسة المشهد السكاني في المدينة، عبر تفريغ مناطق محددة بالقوة، وفرض واقع عسكري دائم يُقيّد حركة السكان ويمنع عودتهم إلى بيوتهم.
وتمتد انتهاكات الاحتلال إلى ضاحية ذنابة شرق طولكرم، حيث اقتحمت آليات الاحتلال الشوارع بسرعة جنونية، وتسببت في تحطيم مركبة مدنية كانت مركونة بجانب الرصيف، ضمن سياسة الترهيب والترويع التي تنتهجها قوات الاحتلال بحق السكان.
وتواصل القوات الإسرائيلية السيطرة على منازل في شارع نابلس والحي الشمالي، وتحويلها إلى نقاط عسكرية بعد إخلاء قسري للسكان، في سياسة ممنهجة لاستعمال الممتلكات المدنية كمواقع عسكرية، في خرق فاضح لاتفاقيات جنيف.
ويُعد ما يجري في طولكرم ومخيميها انتهاكاً شاملاً ومنهجياً للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الأساسية. فوفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، يُعتبر تدمير الممتلكات دون ضرورة عسكرية ملحّة، والتهجير القسري، والمعاملة اللاإنسانية للسكان المدنيين، جرائم حرب واضحة. كما يشكل استخدام العقاب الجماعي أداة ممنهجة في التعامل مع السكان المدنيين خرقًا إضافيًا.
ويُشير التدمير المنهجي للمنازل، وتحويل المخيمات إلى مناطق مغلقة، إلى محاولة مستمرة لفرض واقع جديد على الأرض، يُنهي حضور اللاجئين ويُفرغ المخيمات من سكانها. وهذا يتقاطع مع سياسات أوسع ترمي إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة تشكيل الخارطة الديموغرافية للضفة الغربية عبر الاستيطان والضم والتضييق المعيشي.
وفي ظل هذا الواقع؛ تتعاظم مسؤولية المجتمع الدولي، ليس فقط في إدانة ما يجري، بل في التحرك الفوري لحماية المدنيين، ووقف سياسة الهدم والتهجير، ومحاسبة الاحتلال على الجرائم المرتكبة بحق السكان، والتي تزداد فظاعتها مع كل يوم جديد من الحصار.