في تطور قضائي مثير للاستنكار؛ أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة أريانة شمالي العاصمة تونس، الجمعة، حكماً يقضي بسجن القيادي البارز في حركة النهضة، الصحبي عتيق، لمدة 15 عاماً بتهمة غسل الأموال، في قضية تعود وقائعها إلى عام 2016.
وجاء الحكم الذي تضمن أيضا عقوبة مالية لم يُكشف عن قيمتها، ضمن قضية شملت أربعة متهمين آخرين صدرت بحقهم أحكام تراوحت بين عام و15 عاماً، مع غرامات مالية وصلت إلى 60 ألف دينار تونسي (حوالي 20 ألف دولار). وتشمل التهم الموجهة لعتيق ورفاقه: “تكوين وفاق لغرض غسل الأموال، مسك عملة أجنبية بطرق غير قانونية، التحريض على الإدلاء بشهادة زور، والمشاركة في إخفاء معالم الجريمة”.
لكن خلف هذا الحكم الصارم، تطرح أسئلة جوهرية بشأن مدى حيادية القضاء التونسي، في ظل تزايد استهداف ممنهج لرموز المعارضة السياسية، خصوصاً أولئك المرتبطين بحركة النهضة. وتشير الوقائع إلى أن ملف هذه القضية لم يُحرّك إلا بعد سنوات من الحادثة المزعومة، ما يعزز الشكوك بشأن دوافعها.
ونفت عائلة عتيق، وعلى رأسها زوجته زينب المرايحي، صحة التهم، ووصفت القضية بأنها “كيدية ومفبركة”، مشيرة إلى أن التحقيقات أثبتت عدم وجود صلة بين عتيق والمبالغ المضبوطة، ناهيك عن أن المنزل المذكور في الملف لم يكن يخصه من الأساس.
وأكدت العائلة أن شهادات أمنيين ومحققين دعمت براءته، ما يعكس خللاً عميقاً في مسار العدالة.
ويأتي هذا الحكم بعد أشهر قليلة من حكم آخر بالسجن 13 عاماً صدر ضد عتيق في قضية “التآمر على أمن الدولة”، ما يكرّس نمطاً متصاعداً من الأحكام القاسية ضد رموز المعارضة.
اللافت أن هذه القضايا تتكرر بوتيرة متسارعة منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، والتي شملت حل البرلمان وتعطيل مؤسسات دستورية، وهي خطوات يعتبرها خصومه انقلاباً على الديمقراطية، في واقع يعكس تدخلاً سياسياً متزايداً في عمل السلطة القضائية، وهو ما يهدد مبدأ المحاكمة العادلة ويحول القضاء إلى أداة لتصفية الخصوم السياسيين.
والصحبي عتيق، البالغ من العمر 66 عاماً، ليس مجرد قيادي عادي في النهضة، بل شخصية بارزة عُرفت بنشاطها السياسي منذ عقود، إذ سُجن في عهد بورقيبة ثم قضى 16 عاماً في سجون نظام بن علي. وبعد الثورة، شغل رئاسة الكتلة البرلمانية لحركة النهضة بين عامي 2011 و2014.
وتمثل هذه القضية نموذجاً لما أصبحت عليه العدالة في تونس: وسيلة لتكميم الأفواه وتصفية الحسابات السياسية، في ظل غياب الضمانات الحقيقية للاستقلال القضائي والعدالة النزيهة.