قضت محكمة تونسية، الخميس، بسجن القاضي الإداري السابق والمحامي أحمد صواب مدة خمس سنوات، مع وضعه تحت المراقبة الإدارية لمدة ثلاثة أعوام، وذلك على خلفية تصريحات علنية انتقد فيها بشدة أداء القضاء وسير المحاكمات فيما يُعرف بـ”قضية التآمر على أمن الدولة”.
ويُعدّ صواب أحد أبرز المنتقدين للمسار السياسي والقضائي الذي تشهده تونس منذ عام 2021، وكان من بين المحامين الذين تولوا الدفاع عن عدد من قادة المعارضة الذين صدرت بحقهم أحكام سجن مطولة. وقد أوقف مطلع العام الجاري بعد وصفه جلسات تلك المحاكمات بأنها “مهزلة”، وتصريحه بأن “السكاكين مسلطة على رقاب القضاة”، في إشارة مجازية إلى الضغوط التي يتعرض لها الجسم القضائي.
وكانت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف قد أحالت ملف صواب إلى الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب، بعد ختم التحقيق استنادًا إلى فصول من القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، ومجلة الاتصالات، والمجلة الجزائية، إضافة إلى المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
وتندرج هذه القضية ضمن مسار متسارع من توظيف التشريعات ذات الطابع الأمني لملاحقة التعبير العام، إذ أُدرجت تصريحات صواب تحت مظلة قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، وهي نصوص وُضعت أساسًا لحماية الأمن القومي من العنف المسلح أو التهديدات الممنهجة، لا لمتابعة الانتقاد السياسي أو المهني.
ويثير الحكم على صواب تساؤلات حول مدى اتساقه مع الضمانات الدستورية لحرية الرأي والتعبير، التي نصّ عليها الدستور التونسي ومعاهدات حقوق الإنسان التي صادقت عليها البلاد. فالتوسع في تفسير مواد قانونية فضفاضة – من قبيل “التحريض” أو “الإساءة عبر الشبكات” – قد يُفضي إلى تجريم الخطاب النقدي، ويُسهم في خلق مناخ من الخوف الذاتي لدى الفاعلين القانونيين والإعلاميين على حد سواء.
ويُخشى أن يُسجّل هذا الحكم سابقة تمهد لتوسيع دائرة الملاحقات ضد الأصوات التي تتناول الشأن القضائي أو السياسي بلغة حادة أو ساخرة، حتى وإن كانت في إطار الممارسة المهنية المشروعة.
وبهذا الحكم؛ تدخل تونس مرحلة جديدة من الجدل حول الخط الفاصل بين حرية التعبير وحماية مؤسسات الدولة، ما يستوجب التحذير من أن إغلاق هذا الهامش قد يضعف ثقة المواطنين في العدالة ويقوّض مبدأ سيادة القانون ذاته.



























