يواصل أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك إضرابه المفتوح عن الطعام في محبسه منذ 29 أكتوبر الماضي داخل السجن المدني ببلي (ولاية نابل)، احتجاجاً على اعتقاله فيما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.
وتظهر المعطيات المتوفرة أن الحالة الصحية لبن مبارك تزداد هشاشة مع استمرار الامتناع الكامل عن تناول الطعام، وهو ما يجعل وضعه الجسدي في مرحلة حرجة تتطلب مراقبة طبية دقيقة ودائمة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي؛ أصدر القضاء التونسي حكما بسجن بن مبارك، وهو أستاذ قانون دستوري في الجامعة التونسية، لمدة 18 عاما في قضية “التآمر على أمن الدولة”.
وتبرز تساؤلات حول مدى التزام إدارة السجون بتطبيق القوانين المنظمة للرعاية الصحية للمضربين، وضمان حقهم في السلامة الجسدية والكرامة الإنسانية.
وينص القانون التونسي بوضوح على مسؤولية الدولة في حماية حياة السجين حتى في حال اختياره الإضراب كوسيلة احتجاج، إذ تلتزم الإدارة بالسهر على تقديم الرعاية الطبية اللازمة ومتابعة الحالة بانتظام. ويتقاطع هذا الالتزام مع المبادئ الدستورية التي تضع كرامة الإنسان في صدارة الحقوق، وتمنع تعريض أي شخص للخطر أو الإهمال، مهما كانت طبيعة التهم الموجهة إليه.
وطالت قضية “التآمر على أمن الدولة”، التي انطلقت منذ فبراير 2023، عدداً من الشخصيات السياسية والمحامين والنشطاء. وهي من القضايا التي أعادت النقاش حول الحدود الفاصلة بين الإجراءات القضائية ومتطلبات الحريات السياسية. فالتوسع في استخدام تهم الأمن العام ضد معارضين يثير إشكالات مرتبطة بمدى وضوح النصوص القانونية وتطبيقها في إطار من الحياد والعدالة.
ويعكس استمرار إضراب بن مبارك حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي تتجاوز بعده الفردي، إذ تمثل هذه الخطوة شكلًا من أشكال الرفض لظروف الاحتجاز، ولطبيعة المسار القضائي الذي يراه كثيرون متأثرًا بالتجاذبات السياسية الراهنة. كما أن طول فترة الإضراب يسلط الضوء على هشاشة العلاقة بين المؤسسات الأمنية والقضائية من جهة، والمجتمع السياسي والمدني من جهة أخرى.
ويطرح هذا الواقع تساؤلات أعمق حول مستقبل الحريات في تونس، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأمن ومكافحة ما يُعد تهديدًا للدولة، وبين حماية الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين. فغياب هذا التوازن يؤدي بطبيعة الحال إلى اتساع فجوة الثقة بين السلطة والمجتمع، ويضعف مناخ المشاركة السياسية السلمية الذي تحتاجه البلاد لعبور المرحلة الحالية.
وفي نهاية المطاف؛ تكشف قضية جوهر بن مبارك عن أزمة أعمق تتعلق بمدى احترام دولة القانون ومبدأ المحاسبة، وعن الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة لآليات العدالة في القضايا ذات الطابع السياسي، بما يضمن حق الإنسان في الحرية والكرامة، ويحافظ على مصداقية المؤسسات القانونية في نظر الرأي العام.



























