نُقل أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك من سجنه في بلي بولاية نابل، الأحد، إلى المستشفى الجامعي الطاهر المعموري، بعد تدهور حالته الصحية إثر 19 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأه في 29 أكتوبر/تشرين الأول احتجاجاً على اعتقاله في قضية “التآمر على أمن الدولة”، التي حُكم عليه فيها ابتدائياً بالسجن 18 سنة.
وقالت المحامية دليلة بن مبارك، شقيقته وعضو هيئة الدفاع، إن شقيقها أُدخل إلى قسم الأمراض الباطنية بالمستشفى لتلقي العلاج، مشيرة إلى أنها لم تُمنح حق معرفة وضعيته الصحية أو رؤيته رغم وجودها داخل المستشفى.
وبينما لم يصدر رد رسمي فوري بشأن نقله إلى المستشفى، كانت وزيرة العدل ليلى جفّال قد نفت، خلال جلسة عامة في البرلمان السبت، وجود سجناء سياسيين في إضراب دائم عن الطعام أو تعرض أي منهم لاعتداء، وهو ما سبق أن أكدته أيضاً الهيئة العامة للسجون.
لكن هذه الرواية الرسمية تتناقض مع إفادات متكررة من عائلات معتقلين ومحامين تحدثوا عن ضغوط ومحاولات لإجبار المضربين على إنهاء تحركاتهم الاحتجاجية، بل وعن تعرض بعضهم للعنف، كما جاء في بيان سابق لهيئة الدفاع تحدث عن اعتداء جسدي “شديد” على بن مبارك داخل محبسه بعد رفضه وقف إضرابه.
وتأتي واقعة نقل بن مبارك في سياق سلسلة إضرابات عن الطعام خاضها خلال الأشهر الأخيرة عدد من أبرز المعتقلين في القضية نفسها، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، والسياسي عبد الحميد الجلاصي، وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج.
وتعكس هذه الإضرابات وصول المعتقلين إلى مرحلة يعتبرون فيها أن الوضع القانوني والقضائي لم يعد يوفر لهم أي ضمانات، فيلجؤون إلى أجسادهم كوسيلة احتجاج أخيرة.
وترجع قضية “التآمر على أمن الدولة” إلى فبراير/شباط 2023، حين اعتُقل سياسيون معارضون ومحامون وناشطون بتهم واسعة تشمل “محاولة تقويض النظام العام”، و”التخابر مع جهات أجنبية”، و”التحريض على الفوضى”.
وفي أبريل/نيسان الماضي صدرت أحكام أولية تراوحت بين 4 و66 عاماً ضد 37 متهماً، قبل الطعن فيها استئنافاً، في قضية أخذت طابعاً سياسياً واضحاً، سواء لطبيعة الشخصيات المستهدفة، أو لطريقة إدارة الملف.
وتسلّط حالة بن مبارك الضوء مجدداً على الإشكالات المتراكمة في منظومة الاحتجاز، من غياب الشفافية حول الوضع الصحي للمعتقلين، إلى محدودية الرقابة القضائية الفعلية، وصولاً إلى اعتماد الإضراب عن الطعام كوسيلة احتجاج تكشف انسداد قنوات التظلّم التقليدية. كما تثير مخاوف جدية بشأن سلامة المضربين، خاصة في ظل وصول بعضهم إلى مراحل حرجة دون معلومات دقيقة تُتاح لأسرهم ومحاميهم.
ومع استمرار الاستئناف في القضية؛ تبقى سلامة المعتقلين وحقهم في الرعاية الصحية وظروف احتجاز لائقة في صدارة المخاوف، بينما يتصاعد القلق من أن يتحول هذا المسار القضائي إلى أزمة أعمق، تُفاقم حالة الاستقطاب السياسي التي تشهدها تونس منذ أعوام.




























