أصدرت محكمة تونسية مختصة بقضايا الإرهاب حكما غيابيا يقضي بسجن الوزير الأسبق منذر الزنايدي لمدة 19 عاما مع النفاذ العاجل، في قضايا تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة” و”تكوين جماعة إرهابية”، في خطوة جديدة تؤكد توظيف القضاء كأداة سياسية لمعاقبة المعارضين، وتكريس العدالة الانتقائية في تونس.
ويُعد الزنايدي، الذي شغل مناصب وزارية في حكومات ما قبل عام 2011، من أبرز الشخصيات السياسية المعارضة للرئيس قيس سعيد، وقد أُدرج اسمه ضمن سلسلة طويلة من المعارضين الذين لاحقتهم السلطة عبر القضاء منذ تركيز النظام الرئاسي الفردي عقب 25 يوليو/تموز 2021.
وتندرج القضايا التي حُكم فيها على الزنايدي ضمن ما بات يُعرف بملفات “التآمر على أمن الدولة”، وهي ملفات جرى توسيعها سياسيا وقانونيا لتشمل النشاط السياسي السلمي، والتواصل السياسي، والتعبير عن الرأي، دون تقديم أدلة جنائية واضحة أو أفعال مادية ترقى إلى الجرائم المنسوبة، ما يحوّل التهم إلى أدوات ردع لا آليات عدالة.
ويمثل الحكم الغيابي في قضية ذات طابع سياسي انتهاكا صريحا لمعايير المحاكمة العادلة، ويعكس إخضاع المسار القضائي لإرادة السلطة التنفيذية، بما يقوّض استقلال القضاء ويحوّل المحاكم إلى منصات لتزكية قرارات سياسية جاهزة.
ومنذ عام 2023، تشهد تونس حملة قضائية ممنهجة طالت سياسيين، ومحامين، وصحفيين، ونشطاء مجتمع مدني، في سياق تفكيك منظم للحياة السياسية، وتجريم العمل الحزبي والمدني، وتجفيف الفضاء العام، تحت غطاء قانوني شكلي.
وترافقت هذه الحملة مع استخدام موسّع لقوانين مكافحة الإرهاب وأمن الدولة، في انحراف واضح عن غاياتها الأصلية، وتحويلها إلى أدوات لتجريم الخصومة السياسية، بما يشكل خرقا جوهريا للحقوق المدنية والسياسية، ومبدأ الشرعية الجنائية.
وسبق لمحاكم تونسية أن أصدرت أحكاما قاسية بالسجن بحق رموز معارضة بعقوبات تراوحت بين 10 و45 عاما، في قضايا متشابهة من حيث الصياغة والتهم، ما يؤكد وجود نمط قضائي موحد، لا اجتهادات مستقلة، ويكشف عن استخدام العقوبة كوسيلة لإسكات المعارضين لا لتحقيق العدالة.
ويتزامن الحكم مع إضراب جماعي عن الطعام تخوضه المعارضة التونسية، تضامنا مع المحامي العياشي الهمامي وبقية المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، احتجاجا على تحويل السجون إلى أدوات ضبط سياسي، وعلى تجريم الكلمة الحرة والعمل العام.
وشهدت تونس خلال الفترة الأخيرة توقيف العشرات من السياسيين والناشطين، وتوجيه تهم واسعة وفضفاضة إليهم من قبيل “المساس بأمن الدولة” و”التخابر” و”التحريض” وهي تهم تُستخدم بصورة انتقائية لإقصاء المعارضين، خارج أي تناسب قانوني أو ضرورة قضائية.
إن ما يجري في تونس لا يعكس أزمة عدالة فحسب، بل مسارا منظما لإخضاع القضاء، وإعادة إنتاج الاستبداد بأدوات قانونية، وتفريغ الحقوق والحريات من مضمونها، في انقلاب فعلي على مكتسبات ما بعد 2011.

























