تشكل حرية التعبير والتعددية السياسية ركيزتين أساسيتين لأي نظام ديمقراطي، إلا أن المشهد في تونس يثير قلقاً متزايداً على الصعيد الحقوقي.
وفي مؤتمر صحفي بجنيف؛ دعت الأمم المتحدة السلطات التونسية إلى التوقف عن ملاحقة المعارضين السياسيين وضمان احترام حقوق الإنسان، وسط تصاعد وتيرة الاعتقالات والمحاكمات التي تطال شخصيات بارزة.
وطالبت الأمم المتحدة السلطات التونسية بوقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير.
وذكر المتحدث باسم المفوضية، ثمين الخيطان، أن المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، يدعو تونس إلى وقف اضطهاد المعارضين السياسيين والإفراج الإنساني عن المسنّين الذين يعانون من مشاكل صحية.
ومنذ فبراير/شباط 2023، شهدت تونس حملة توقيفات شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (84 عاما)، والرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين (75 عاما) التي أُفرج عنها أمس الأربعاء.
وأضاف الخيطان أن المفوضية تحث تونس على إعادة النظر في تشريعاتها الجنائية، وضمان توافقها مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره.
وأكد أنه “يجب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفًا، وضمان المحاكمة العادلة ومراعاة الأصول القانونية الواجبة لمن وُجّهت إليهم تهم بارتكاب جرائم”.
وقالت المفوضية إن “العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والنشطاء والسياسيين يقبعون رهن الاحتجاز قبل المحاكمة، ويواجهون اتهامات فضفاضة وغامضة، على ما يبدو نتيجة ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم”.
وأضافت أن “ذلك يثير مخاوف تتعلق بانتهاك الحق في حرية التعبير، فضلًا عن الحقوق في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة”.
وأوضحت المفوضية أنه في بداية مارس/آذار المقبل، من المقرر أن يُحاكم أكثر من 40 شخصًا، بينهم معارضون من مختلف الانتماءات السياسية، أمام المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وهم ينتمون إلى مجموعة وُجهت إليها تهم “التآمر على الدولة” وأخرى مرتبطة بالإرهاب.
وتُعدّ الاعتقالات السياسية والتضييق على المعارضين في تونس انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي تكرّس الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي والمشاركة السياسية. فبحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن أي قيود على هذه الحقوق يجب أن تكون ضرورية ومتناسبة وغير تعسفية، وهو ما يتناقض مع الواقع الذي يعيشه عشرات المعتقلين السياسيين في تونس اليوم.
وتنص المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه تونس، على أن “لكل فرد الحق في الحرية وألا يُعرّض للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي”، كما تشدد المادة 14 على الحق في محاكمة عادلة أمام هيئة قضائية مستقلة.
ومع ذلك، فإن الاتهامات الفضفاضة، مثل “التآمر على الدولة” و”الإرهاب”، والتي يُلاحق بها العديد من المعارضين التونسيين، تتعارض مع هذه الضمانات، حيث توظَّف غالبًا لأغراض سياسية بعيدًا عن المعايير القانونية السليمة.
علاوة على ذلك؛ تحظر اتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، التي انضمت إليها تونس، أي شكل من أشكال الضغط على المعتقلين أو احتجازهم في ظروف قاسية أو حرمانهم من حقوقهم الأساسية، وهو ما تثيره تقارير حقوقية عدة بشأن أوضاع بعض المعتقلين، خاصة كبار السن والمرضى الذين يُحرمون من الرعاية الصحية الكافية.
وبناءً على ذلك؛ فإن استمرار هذه الاعتقالات والمحاكمات، لا ينتهك فقط التزامات تونس الدولية، بل يضع البلاد في مواجهة مباشرة مع الهيئات الحقوقية الأممية، ويهدد موقعها كدولة كانت تُصنف حتى وقت قريب ضمن النماذج الديمقراطية الناشئة في المنطقة.