في واقعة تجسد استمرار سياسة الإخفاء القسري كأداة قمع ممنهجة في مصر؛ قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس 41 مواطناً، بينهم ثلاث فتيات وقريب وزير سابق، بعد ظهورهم المفاجئ داخل مقر النيابة، عقب فترات من الاحتجاز غير القانوني امتدت لأسابيع وشهور، دون أي إفصاح سابق عن أماكن احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم.
وجاء القرار بعد موجة استغاثات وبلاغات تقدمت بها عائلات الضحايا إلى النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان، للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم الذين تم اعتقالهم من منازلهم أو أماكن عملهم دون إذن قضائي أو إعلان رسمي.
ووجهت النيابة للمعتقلين اتهامات نمطية، بينها “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”نشر أخبار كاذبة”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل”، دون عرض أدلة مادية أو وقائع محددة، وفي غياب تمكين المحامين من الاطلاع على الملفات أو تقديم دفاع فعّال، وهو ما يُعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ المحاكمة العادلة والحق في الدفاع المكفول دستورياً ودولياً.
وضمت قائمة المحتجزين كلاً من: رشا إسماعيل محمد، ضحى عدلي عبد الحميد، هاجر السيد أحمد، أحمد زكي حواس، أحمد فتحي مهران، إبراهيم عبد المعبود عبد الحميد، أبو بكر أسامة حسن، أحمد إبراهيم سالم، أحمد إسماعيل فرحات، أحمد كامل بخيت، أحمد محمد عبد الوهاب، أحمد محمد علي، أشرف عطية الحبروك، أيمن حسني إمام، أيمن كامل مصطفى، حاتم فوزي عبد الرحيم، حازم أسامة حسن، حسام محمد عبد الرحمن، حسين محمد سيد، خالد وائل عبد الله، خليفة فتحي محمد، سعيد منصور رزق، سيد زغلول عبد العزيز، عادل أحمد شعبان، عبد الرحمن ماهر محمد، عصام حامد محمود، علاء ممدوح فوزي، محمد إسماعيل فرحات، محمد جمال عبد المنعم، محمد حسن أحمد، محمد خالد حمدون، محمد رفاعي حلاج، محمد صبري خليفة، محمد فتحي علي، محمود السيد خليفة، محمود مصطفى عبد الرحمن، مغربي إبراهيم عطية، ياسر إبراهيم محمد، ياسر فتوح أحمد، يحيى سعيد عبد الكريم، يوسف أسامة عبد الرحمن.
وفي السياق ذاته؛ أعلن القيادي البارز في المعارضة المصرية الدكتور محمد البلتاجي، المعتقل منذ 2013، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام منذ الأول من يوليو/تموز الجاري داخل سجن بدر 3، احتجاجاً على “ظروف احتجاز غير إنسانية” يعانيها هو وعشرات السجناء السياسيين.
وفي رسالة من داخل محبسه؛ تحدّث البلتاجي عن عزلة تامة استمرت لثماني سنوات، منع فيها من الزيارة والاتصال ومعرفة أخبار أسرته، ووصف ما يتعرض له بأنه “تصفية بطيئة وانتقام سياسي”، مشدداً على أنه “لن يوقف إضرابه إلا بتغير هذه الأوضاع أو الموت”.
وتؤكد الوقائع أن الاختفاء القسري لا يزال ممارسة ممنهجة في مصر، تُستخدم ضد المعارضين السياسيين والنشطاء والطلاب، رغم تجريمها بموجب القانون الدولي واعتبارها جريمة ضد الإنسانية في اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي وقعت عليها مصر.
كما يُستخدم الحبس الاحتياطي كسلاح عقابي بدلاً من كونه إجراءاً احترازياً، حيث يُحتجز المعتقلون لفترات طويلة دون محاكمة فعلية، في انتهاك واضح لمبدأ افتراض البراءة.
ووسط هذه الانتهاكات؛ تستمر السلطات المصرية في تجاهل الدعوات المحلية والدولية لإصلاح منظومة العدالة وإنهاء سياسة العقاب الجماعي والإخفاء، ما يعمّق أزمة الثقة ويقوّض سيادة القانون.