أصدرت نيابة أمن الدولة العليا في مصر قراراً بحبس 60 مواطناً، من بينهم فتاة، لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، وذلك عقب ظهورهم الأول بعد فترات متفاوتة من الاختفاء القسري، تراوحت بين أسابيع وعدة أشهر، دون أي تمكين من التواصل مع ذويهم أو معرفة أماكن احتجازهم خلال فترة الإخفاء.
وتُظهر هذه الخطوة استمرار العمل بسياسات أمنية توسعية تقوض أبسط ضمانات العدالة الجنائية، عبر استخدام الإخفاء القسري كأداة لإرهاب سياسي صامت، ثم إضفاء الشرعية الشكلية على الاحتجاز من خلال توجيه اتهامات نمطية تفتقر إلى الأدلة أو الإجراءات القضائية المنصفة.
وقد وجهت النيابة إلى المحتجزين مجموعة من التهم العامة والمتكررة في قضايا الرأي والتعبير، من بينها: “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”نشر أخبار كاذبة”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”الترويج لأفكار تحض على العنف”، و”التمويل”، وهي اتهامات تُستخدم بصورة جماعية دون تمييز فردي، بما يسمح بتمديد الحبس الاحتياطي إلى فترات غير محددة عملياً، وتحويله إلى عقوبة مسبقة تفتقر إلى أي أساس قانوني فعلي.
ويُعد استمرار الإخفاء القسري – رغم ما يمثله من انتهاك صارخ للمادة (54) من الدستور المصري – أحد أبرز تجليات التراجع الحاد في الضمانات الدستورية، حيث تنص المادة على ضرورة إبلاغ ذوي المقبوض عليه بمكان احتجازه، وتمكينه من الاتصال بمحامٍ خلال 24 ساعة من توقيفه، وهو ما لم يُنفذ في أي من الحالات الستين، بحسب ما عكسته حيثيات القضية.
وتُظهر قائمة المحتجزين وجود فتاة واحدة فقط، هي منى محمد نظيم، وهو ما يمثل مؤشراً إضافياً على تصاعد استهداف النساء في القضايا ذات الطابع السياسي، وامتداد الانتهاكات بحقهن داخل منظومة الاحتجاز التي تفتقر إلى أبسط مقومات المعاملة الإنسانية، في ظل تقارير متكررة عن التعذيب وسوء المعاملة، خاصة في حالات النساء.
والأسماء التي شملها قرار الحبس هي: منى محمد نظيم، أحمد البيومي السيد، أحمد ثابت حسين، أحمد محمد سعيد، أحمد محمد عمار، أحمد هشام سعد، أحمد يحيى مهران، أشرف عابدين الشارود، أيمن عبد الرحمن عبد التواب، حسن أشرف فاروق، سوقي علي فرج، دياب حمادة شبيب، السيد أحمد جاد، طارق سعيد مرسي، عاطف محمد دسوقي، عبد الرحمن شريف عبد البديع، عبد الرحمن عبد العليم سعد، عبد الرحمن قرني عبد اللطيف، عبد الرحمن مصطفى أحمد، عبد الفتاح عبد الوهاب عبد العال، عبد الله محمد حسان، عماد الدين دكروري محمود، عمر مجدي رمضان، عمر محمد مصطفى، عمرو فتحي الشناوي، الفاروق عمر عباس، محمد السيد العوضي، محمد حسن إبراهيم، محمد حسين عبد الفتاح، محمد صبحي سلطان، محمد عبد الرحيم حسن، محمد محمود عبد النبي، المدثر محمد سالم، مصطفى إبراهيم عمر، مهند سرحان عادل، مؤمن محمد علي، ياسين جابر محمد، يوسف خميس بسطاوي، إبراهيم السيد محمد، أحمد جمال فؤاد، أحمد حسن علي، أحمد قايد عبد الستار، أسامة ماهر عباس، حسن السيد إسماعيل، حسين السيد حسين، خالد حنفي فهيم، سيد محمد محفوظ، سيف ممدوح أحمد، شعائر الله حسام محمد، عادل محمد مصباح، عبد الحكيم عبد الله عبد اللاه، عبد الرحمن عرفان عبد الرحمن، عبد الرحمن محمد محمود، عبد العظيم السيد المادوني، علاء الدين محمد عبده، علاء سيد بسيوني، كمال محفوظ عبده، محمد إبراهيم قنديل، محمد بدير السعيد، محمد عبد العزيز مبروك، محمد عبد الله رواش، محمد عبد اللطيف شلبي، محمد يحيى عبد الوهاب، محمد يحيى إبراهيم، محمود أحمد علي، محمود صالح الجارحي، ناجي حمزة سعد، نور الدين مصطفى أحمد، ياسر أحمد علي، يوسف يحيى عبد الوهاب.
ويطرح هذا التطور أسئلة حادة حول مستقبل الحريات الأساسية في مصر، لا سيما حرية التعبير والتنظيم، في ظل تغوّل الأجهزة الأمنية على منظومة العدالة، واستمرار استخدام أدوات قانونية شكلية لتكريس واقع من القمع الممنهج بعيداً عن أعين الرقابة القضائية والمحاسبة.
كما يُبرز التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي والانتهاكات المترافقة معه ضرورة وجود مساءلة حقيقية تضمن احترام الحقوق الدستورية للمواطنين، وإعادة الاعتبار لسيادة القانون، بعيداً عن منطق المعاملة الاستثنائية التي تحوّل الدولة إلى مساحة مغلقة أمام أي شكل من أشكال التعبير الحر.