مقال بقلم الأكاديمي والخبير القانوني رالف وايلد
في أعقاب حرب 1967، التي شنتها إسرائيل ضد مصر والأردن وسوريا، تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على قطاع غزة والضفة الغربية اللتين كانتا تحت قيادة مصر والأردن. ادعت إسرائيل أنها دخلت هذه الحرب بحجة “الدفاع عن النفس”، كتصرف وقائي ضد هذه الدول، وانتهت الحرب بانتصار إسرائيل بعد ستة أيام، وبعد فترة عقدت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن، وبالرغم من ذلك، حافظت إسرائيل على سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها من خلال الاحتلال العسكري، الذي مكنها من الاستيلاء على هذه الأراضي في المقام الأول، والمستمر منذ أكثر من نصف قرن في تحد لدعوات الجمعية العامة للأمم المتحدة لوضع حد لذلك.
قيام إسرائيل بإزالة بعض المستوطنات وإعادة نشر وجودها العسكري كجزء من عملية الحصار البري والبحري والجوي لقطاع غزة، وسماحها -بموجب اتفاقات أوسلو- بمنح جزء من الإدارة الذاتية الفلسطينية في مناطق معينة من الضفة الغربية، لا يعتبر إنهاء جزئي للاحتلال العسكري، بل كان بمثابة إعادة تشكيل له، فهي لا تزال تحتل قطاع غزة والضفة الغربية، لأن المنطقتين تظلان خاضعتين لسيطرتها العسكرية الشاملة المستمرة، بمعنى آخر: إسرائيل غيرت الطريقة التي تمارس بها سيطرتها العسكرية، ولكنها لم تقللها أو تنهيها.
حرب إسرائيل عام 1967 لم تكن قانونية وفقًا للقانون الدولي فيما يتعلق باستخدام القوة، وكذلك بموجب قانون الحرب، أو ما يعرف باللاتيني (jus ad bellum ومعناه الحق في الحرب)، بناء على ادعاء إسرائيل بأنها تخشى هجوماً من جيرانها الثلاثة، فحتى بموجب هذه القوانين وهذه الحقوق لا يمكن للدول أن تستخدم القوة بحجة “الدفاع عن النفس” بشكل وقائي.
علاوة على ذلك، وحتى لو كانت الحرب قانونية على هذا الأساس، فإن هذا التبرير لم يعد ساريًا بعد تمكن إسرائيل من هزيمة الدول الثلاث، بالإضافة إلى أن المعايير الأساسية بموجب القانون الدولي وقانون الحرب لا تنطبق على إسرائيل، التي يُعتبر استمرارها في استخدام القوة أمر غير قانوني، ببساطة لأن استخدامها للقوة كان غير قانوني من الأساس منذ البداية.
وفي جميع الحالات، فإن استخدام إسرائيل للقوة ضد قطاع غزة والضفة الغربية كان غير قانوني منذ عام 1967، وحتى التبرير القانوني (الباطل) الذي قدمته إسرائيل -الدفاع عن النفس والإجراءات الوقائية، كان قانونياً لمدة ستة أيام فقط، لكنها لا تزال تستخدمه منذ 56 عامًا، وبما أن الشعب الفلسطيني له الحق في تقرير المصير بموجب القانون الدولي، فكان على إسرائيل إنهاء هذا الاستخدام للقوة على الفور، وكل يوم تستمر فيه باستخدام القوة، يعتبر بمثابة استخدام غير قانوني للقوة، أي عدوان، وانتهاك للحق في تقرير المصير.
إن استمرار إسرائيل في هذا الاحتلال وعدم إنهائه يعطي إلى بطبيعة الحال حق المقاومة من جانب الشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي، وهذا يعادل حق الشعب الأوكراني في المقاومة، وحق الدولة الأوكرانية في استخدام القوة دفاعاً عن النفس ضد الحرب الروسية الحالية، سواء احتلال أو الضم المزعوم لمناطق معينة في أوكرانيا.
هذا الحق بالطبع لا يبرر قيام المقاومة باستهداف المتعمد للمدنيين، أو الهجمات العشوائية التي تهدد بإيذاء المدنيين، أو اختطاف المدنيين، وكلها أمور غير قانونية كونها خارج ما يسمح به الحق نفسه، وغير قانونية أيضًا باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي.
وفي هذا السياق، فإن التعامل مع العمل العسكري الإسرائيلي الحالي في غزة وكأنه حادث معزول لاستخدام القوة، والتساؤل عما إذا كان لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس في القانون الدولي لتبرير هذا العمل، هو بمثابة تشويه للوضع بشكل أساسي. إن الإجراء الإسرائيلي الحالي هو في الواقع إعادة تشكيل لاستخدام القوة الذي تمارسه الآن في شكل الحصار (مع القصف والتوغلات البرية)، وقبل ذلك في وجودها من الأساس على الأرض، والمستوطنات، وإضافة وسائل وأساليب جديدة لاستخدام هذه القوة.
إسرائيل تقول إن لديها الحق بطريقة أو بأخرى في القيام بهذا الشكل الجديد والموسع من الاستخدام الحالي للقوة دفاعاً عن النفس بسبب أعمال المقاومة العنيفة التي كانت في الأساس تقاوم استخدام إسرائيل غير القانوني للقوة، وحتى لو ارتكبت هذه المقاومة أمور غير قانونية بسبب استهداف المدنيين والمخاطرة بإلحاق الأذى بالمدنيين واختطاف مدنيين، فإن تبرير إسرائيل التوسع في استخدام القوة يضعنا أمام منطق ملتوي: إسرائيل تستخدم القوة لأنها تواجه مقاومة عنيفة، لكن يجب ألا ننسى أن هذه المقاومة موجودة بسبب استخدام إسرائيل للقوة في البداية بشكل غير قانوني.
لم تعترف إسرائيل قط أنها استولت على قطاع غزة والضفة الغربية في عام 1967 بسبب التهديدات الصادرة عن الشعب الفلسطيني هناك، وإذا لم يكن هناك أساس قانوني لاستخدام القوة من البداية، فلا يمكن إذن، لهذا السبب أو لأي سبب آخر، أن يكون هناك أساس لمواصلة استخدام القوة ردًا على أعمال العنف التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية للاحتلال.
إن تبرير إسرائيل اللجوء إلى مرحلة جديدة ومتقدمة من الاستخدام غير القانوني للقوة لا يمكن تبريره بأنه رد على المقاومة العنيفة، فالمقاومة تقاوم الاستخدام غير القانوني للقوة الإسرائيلي من الأساس، وإذا قبلنا تبرير إسرائيل، فإن الاستخدام غير القانوني للقوة سيصبح قانونيًا من أي طرف في العالم لمجرد أن أولئك الذين يخضعون لهذه القوة يقاومونها بعنف – وهي نتيجة غير محمودة العواقب.
لا يعني أي من هذا أن الاستهداف المتعمد للمدنيين، أو الهجمات العشوائية التي تهدد بإيذاء المدنيين، أو أخذ الرهائن المدنيين، أمر له ما يبرره قانونًا؛ كما هو مبين، هذه تصرفات غير قانونية، لكن مثل هذه الأعمال غير القانونية لا تبرر- من الناحية القانونية- استمرار وتصعيد، استخدام إسرائيل للقوة في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك لأن هذا الاستخدام للقوة غير قانوني من البداية.
تخيل، من الناحية النظرية، أن مقاتلي المقاومة الأوكرانية شنوا هجمات داخل روسيا شملت استهداف المدنيين، وهجمات عشوائية تهدد بإيذاء المدنيين، واحتجاز رهائن مدنيين، نعم قد تكون هذه الهجمات غير قانونية، ولكنها لا تعني أن روسيا سوف يُسمَح لها قانوناً بتمديد حربها غير الشرعية في أوكرانيا، من أجل وضع حد لتهديد المقاومة بشن المزيد من مثل هذه الهجمات.
مثال آخر لشيء حدث بالفعل وليس مجرد تخيل: في الحرب العالمية الثانية، قصفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مدينة دريسدن الألمانية بالقنابل الذرية، وأسقطت الولايات المتحدة قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، وقد تجاوزت هذه الإجراءات بكثير ما هو مبرر قانونًا في الدفاع عن النفس من حيث الضرورة والتناسب، لكنهم وعلى الرغم من ذلك، لم يمنحوا ألمانيا واليابان حقًا قانونيًا في القانون الدولي لاستخدام القوة دفاعًا عن النفس ضد ما فعلته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لقد كانت حوادث غير قانونية من جانب الدولتين ضمن السياق الأوسع، حيث كانتا تتصرفان بشكل قانوني عملاً لحق الدفاع عن النفس ردًا على عدوان ألمانيا واليابان.
إن التزامات إسرائيل بموجب قانون الاحتلال والقانون الدولي لحقوق الإنسان (الذي ينطبق خارج حدودها الإقليمية)، والتي تحكم كيفية ممارسة سلطتها العسكرية في قطاع غزة والضفة الغربية، تلزمها بتأمين النظام العام والسلامة وحماية حقوق الإنسان. ومع ذلك، حتى لو كانت هذه الالتزامات، وخاصة تلك الواردة في قانون الاحتلال على وجه التحديد، المادة 43 من أنظمة لاهاي، وهي جزء من قانون الاحتلال، تقول إن لدولة الاحتلال ما يبرر استخدامها للقوة في الأراضي المحتلة لحماية نفسها من التهديدات القادمة من تلك الأراضي، فإن هذه المادة لا تنطبق في حالة إسرائيل، بسبب مسألة قانونية أعمق.
إن استخدام إسرائيل للقوة في احتلالها منذ عام 1967 انتهك مبدأين أساسيين في القانون الدولي: حظر العدوان والحق في تقرير المصير، هذه المبادئ مهمة جدًا بحيث لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، وتتمتع بوضع “القواعد الآمرة غير قابلة للانتقاص”. (القواعد الآمرة تشير إلى بعض المبادئ الأساسية للقانون الدولي التي تتسم بأهمية بالغة بحيث لا يمكن تبرير أي انتهاك لها، ولا يمكن لأي معاهدة أو اتفاق أن يتجاوزها. ويعني مصطلح “غير قابل للانتقاص” أنه لا يمكن وضع هذه المبادئ جانبًا أو تجاهلها؛ ويجب التمسك بها دائمًا).
لذلك فإن التزام إسرائيل بالإنهاء الفوري لاستخدام القوة المتمثلة في شكل احتلال، يتم التعامل معه، من الناحية القانونية، على أنه أكثر أهمية من الالتزامات الأخرى التي قد تكون ملزمة لها فيما يتعلق بالحفاظ على النظام وحماية حقوق الإنسان.
إن التزامات إسرائيل بموجب قانون الاحتلال لا يمكن استخدامها كسبب أو عذر لتغيير أو تجاهل الالتزام الأساسي ضد استخدام القوة العدوانية، وبعبارة أخرى، فإن مسؤولية الدولة عن الحفاظ على النظام في الأراضي المحتلة لا تمنحها الأساس القانوني لاستخدام القوة في تلك الأراضي، خاصة إذا كان هذا الاستخدام للقوة ينتهك المبادئ الأوسع للقانون الدولي. (تمامًا كما في المثال الافتراضي السابق بشأن أوكرانيا، إن التزامات روسيا في قانون الاحتلال لن تسمح لها بطريقة أو بأخرى باستخدام القوة في أجزاء من أوكرانيا التي تحتلها بشكل غير قانوني من أجل التصدي للتهديدات الصادرة من هناك إلى أراضيها السيادية).
فيما يتعلق بتبريرات إسرائيل لاستخدام القوة العسكرية في ممارسة الاحتلال، وتوجد حجتان تطرحهما إسرائيل ومؤيدوها أحياناً في هذا الصدد تتعلق بعملية السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، هما:
الحجة الأولى، وهي خاصة بالضفة الغربية، تتعلق باتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ ثلاثين عامًا، والتي لا تزال سارية على ما يبدو حيث لم يشر أي طرف فيها إلى خلاف ذلك.
تهدف هذه الاتفاقات إلى النص على استمرار جوانب معينة من الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لفترة مؤقتة، كما أنها تنص على درجة من تقليص إسرائيل لسلطتها في بعض المناطق، وبالتالي، تُمكن بعض مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطينية من العمل في هذه المناطق، حتى لو كانت لا تزال خاضعة للاحتلال ككل. ومع ذلك، فإن موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو، والتي تم التوصل إليها تحت ضغط استخدام إسرائيل غير القانوني للقوة، تتضمن أحكامًا تتعارض مع حق تقرير المصير في القانون الدولي، وهو مبدأ يتمتع بأهمية قانونية أعلى، وأقوى من اتفاقات أوسلو نفسها، لأن اتفاقيات أوسلو لا تتمتع بوضع “القواعد الآمرة”، على عكس الحق في تقرير المصير، الذي يتمتع بـ “القواعد الآمرة” أي أنه مبدأ أساسي يطغى على الاتفاقيات الدولية الأخرى ولا يمكن إلغاؤه.
ونتيجة هذين العاملين، منفردين ومجتمعين، فإنه فيما يتعلق بقانون المعاهدات الدولي، فإن تلك الأحكام التي ترمي إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال في أوسلو تعتبر باطلة (حتى لو ظلت الاتفاقيات سارية المفعول بشكل عام). ومن ثم، فإن الاتفاقات لا توفر لإسرائيل استحقاقًا صالحًا قائمًا على المعاهدة لممارسة أي سلطة على الضفة الغربية، ولا قبولًا متبادلاً من جانب الشعب الفلسطيني لمثل هذه الممارسة.
الحجة الثانية هي أنه من المفترض أن ممثلي الشعب الفلسطيني عرضت عليهم صفقات في المفاوضات، كان من الممكن أن تنهي الاحتلال، لكنهم رفضوها. وبالتالي، تستطيع إسرائيل بطريقة أو بأخرى أن تحافظ على الاحتلال. لكن بحسب قانون تقرير المصير واستخدام القوة، فإن الاحتلال غير شرعي وجودياً، وبالتالي يجب أن ينتهي لهذا السبب وحده. وعليه، ليس لإسرائيل الحق القانوني في الإصرار على الحصول على تنازلات من الشعب الفلسطيني، أو مساومات: (“الأرض مقابل السلام”) فيما يتعلق بالأشياء التي لديهم حق قانوني فيها (على سبيل المثال، تخفيض حقوقهم الإقليمية، على الأقل، في مجمل الأرض: الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة [وهي بالفعل، بالطبع، وحدة إقليمية تم تقليصها بشكل كبير، ما يقرب من 22٪ من أراضي فلسطين تحت الانتداب البريطاني] كثمن لإنهاء الاحتلال.
إذا كان الوضع مختلفًا، فيمكن لدولة ما استخدام القوة غير القانونية لجعل جهة فاعلة قانونية دولية أخرى (مثل دولة أو منظمة تمثل شعبًا) تتخلى عن بعض حقوقهم القانونية. قد يوافق الشعب الفلسطيني على نوع من التسوية الإضافية (بصرف النظر عن حقيقة أن الضفة الغربية وقطاع غزة يمثلان بالفعل أقل من ربع أراضي فلسطين تحت الانتداب البريطاني)، وبالرغم من أنه غير القانوني وغير المقبول أن تستخدم دولة القوة لإجبار كيان آخر، مثل الشعب الفلسطيني، على التنازل عن حقوقه القانونية، لكن مع ذلك فإن أي قرار بتقديم المزيد من التنازلات، خاصة فيما يتعلق بالأراضي، يقع على عاتق الشعب الفلسطيني وحده ويحميه القانون الدولي.
وفي مثل هذه الظروف، يظل وجود الاحتلال ليس له أي أساس قانوني دولي، ومرة أخرى، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا، بما في ذلك احتلالها (بحجة الضم المزعوم لأجزاء من أوكرانيا) يمكن استخدامها كمثال توضيحي هنا، قد تنتهي تلك الحرب من خلال نوع من التنازل الإقليمي لروسيا من جانب أوكرانيا. ولكن فيما يتعلق بالقانون الدولي، فإن أوكرانيا ليست ملزمة على نحو أو آخر بتقديم مثل هذا التنازل باعتباره ثمناً لتحررها من الحرب التي تخوضها روسيا في أراضيها، بما في ذلك الاحتلال (من خلال الضم المزعوم). ومن حقها كذلك التمتع بهذه الحرية، التي تغطي كامل أراضيها السيادية، وذلك ببساطة لأن الحرب (وعمليات الضم المزعومة) غير قانونية.
ألا تؤدي الاستنتاجات السابقة إلى خلق وضع سخيف وغير مقبول في القانون الدولي، حيث لا يحق لإسرائيل اتخاذ إجراءات للدفاع عن نفسها ضد الهجمات التي تنطلق من الأراضي الفلسطينية، سواء الضفة الغربية أو قطاع غزة، حتى تلك الهجمات التي، كما ذكرنا، غير قانونية بقدر ما تنطوي على استهداف متعمد للمدنيين، و/أو تكون عشوائية وبالتالي تخاطر بإلحاق الأذى بالمدنيين، و/أو تنطوي على أخذ رهائن مدنيين؟
المشكلة هي أن موقف إسرائيل في هذا الصدد نشأ نتيجة لقرارها، منذ أكثر من نصف قرن، باستمرار استخدام القوة على الضفة الغربية الفلسطينية وقطاع غزة من خلال احتلالها الأطول في التاريخ الحديث لهذه الأراضي بصورة غير قانونية.
ومن المفارقة أن إسرائيل باختيارها التجاهل الصارخ للامتثال للقانون الدولي بشأن استخدام القوة (وقانون تقرير المصير)، قد وضعت نفسها في موقف لا يمكنها فيه الاستفادة من استخدام القوة ضمن إطار القانون الدولي الذي يسمح للدول بمعالجة أشكال معينة من التهديدات العابرة للحدود السيادية.
ولم يقتصر الأمر على أن تصرفات إسرائيل نفسها تحط من القانون الدولي من خلال احتلالها الصارخ وغير القانوني الذي دام أكثر من نصف قرن، بل وأيضًا فإنه من خلال هذه الاحتلال غير الشرعي، فإن الحق في الدفاع عن النفس وحماية نفسها من التهديدات والمخاطر التي تأتي من الأراضي التي احتلتها لا ينطبق على إسرائيل بسبب عدم شرعية احتلالها من الأساس.
لقد دعم البعض داخل إسرائيل وخارجها سيطرة الدولة على قطاع غزة والضفة الغربية لأنهم يرغبون في أن تكون إسرائيل ذات سيادة على هذه الأراضي، ومن هنا جاء الضم غير القانوني المزعوم للقدس الشرقية، وزرع وتوسيع ودعم المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية. وفي هذا السياق، يرى البعض أن إسرائيل لديها نوع من الحق القانوني الدولي في السيادة على الضفة الغربية وغزة والاستيطان فيها بناء على دمج وعد بلفور واتفاقية الانتداب على فلسطين الصادرة عن عصبة الأمم.
ويرى آخرون أن سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة لها ما يبررها لأغراض أمنية: لمنع، أو على الأقل تقليل احتمالية أي تهديد وجودي لإسرائيل ينبع من هذه الأراضي. ولذلك يتعين على إسرائيل أن تحافظ على هذه السيطرة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام يمنحها ضمانات أمنية قوية.
والمشكلة هي أن أياً من هذه الأهداف غير قانوني في القانون الدولي.
لم توفر اتفاقية الانتداب على فلسطين أي أساس قانوني صحيح لقيام دولة يهودية ومستوطنة يهودية تغطي أرض الانتداب على فلسطين (ما يعرف الآن بإسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة)، بسبب “الأمانة المقدسة للحضارة”، وهي ضمن المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، وهو جزء من معاهدة فرساي، والذي نص على أنه يجب الاعتراف مؤقتًا بالإقليم كدولة مستقلة – وهو في الواقع حق فريد من نوعه في تقرير المصير. (انظر هنا)
ولو تم تنفيذ ذلك قبل قرن من الزمان، لكانت فلسطين قد أنشئت كدولة، تغطي الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، لجميع الناس في تلك الأراضي – الفلسطينيين العرب واليهود على حد سواء.
وحقيقة أنه لم يتم تنفيذه لا يغير الوضع القانوني الذي كان ينبغي أن يكون، وبالتالي ما حدث – إنشاء دولة للشعب اليهودي على وجه الخصوص تغطي جزءًا من هذه الأراضي في عام 1948 في أعقاب النكبة والانفصال القسري عن الانتداب – لم يكن له أي أساس قانوني دولي. وبالتالي، لم ترث إسرائيل بطريقة أو بأخرى استحقاقًا قائمًا على حقبة الانتداب فيما تبقى من الأراضي خارج حدود عام 1948، لأنه لم يكن استمرارًا قانونيًا للانتداب، والأهم من ذلك، لم يكن هناك مثل هذا الاستحقاق الممنوح للشعب اليهودي من خلال الانتداب في المقام الأول.
إن الأساس الأمني البديل للسيطرة على الضفة الغربية وغزة ليس له أي أساس قانوني دولي صحيح أيضاً. ولا يجوز للدول أن تستخدم القوة خارج حدودها بشكل قانوني لأغراض دفاعية إلا في ظروف ضيقة للغاية عندما يكون هناك تهديد فعلي أو وشيك بشن هجوم مسلح. علاوة على ذلك، يتعين عليهم التعامل مع التهديدات الأمنية التي تتجاوز الحدود الإقليمية من خلال وسائل غير قسرية. وعلى أية حال، فإن التهديد الآن، على عكس ما زُعم في عام 1967، يأتي من الناس داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل، والذين كما ذكرنا لهم حق المقاومة بسبب هذا الاحتلال.
لا يجوز لأي دولة أن تستخدم القوة بشكل غير قانوني، مما يخلق مقاومة، ثم تدعي أن لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد تلك المقاومة، حتى عندما تتجاوز تلك المقاومة ما هو قانوني في هذا الصدد.
استغلت إسرائيل انتصارها في استخدامها غير القانوني للقوة عام 1967 للحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة والضفة الغربية لأكثر من نصف قرن، لأغراض الضم التي تعتبر غير قانونية بموجب قانون استخدام القوة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير و/أو لأغراض دفاعية ليس لها أساس قانوني في القانون الدولي للدفاع عن النفس.
وما يشهده العالم الآن هو في الأساس امتداد آخر لهذه العملية التي تؤكد بموجبها إسرائيل لنفسها حقوقا غير مقبولة في القانون الدولي.
وفي هذه الحالة، فإن عدم الشرعية يولد عدم الشرعية. استخدام إسرائيل للقوة في البداية فيما يتعلق بقطاع غزة (القوات البرية ووجود المستوطنين، الذي تحول فيما بعد إلى حصار مع توغلات وهجمات دورية) أمر غير قانوني من البداية، وعليه فإن أي تصعيد أو تكثيف لهذه الإجراءات هو أيضًا أمر غير قانوني. إن أي استخدام أكثر تطرفًا للقوة من قبل إسرائيل في قطاع غزة ملوث بطبيعته بعدم شرعية الإجراءات الأصلية. بمعنى آخر، بما أن الاستخدام الأولي للقوة كان غير قانوني، فإن أي إجراءات أخرى تعتمد على هذه القوة الأولية أو توسعها تعتبر أيضًا غير قانونية.
إن عدم شرعية استخدام إسرائيل للقوة في غزة والضفة الغربية، هو استخدام غير قانوني للقوة – أي عدوان – وانتهاك للحق القانوني للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
إن إسرائيل ملزمة بإنهاء هذا الاستخدام للقوة على الفور – وقف إطلاق النار في غزة، والإنهاء الكامل للحصار الأوسع الذي تفرضه القوة على القطاع، فضلاً عن الانسحاب الكامل لسلطتها في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
نظرا لأن تصرفات إسرائيل تنتهك قوانين دولية مهمة للغاية، تحديدًا القواعد الآمرة jus cogens and erga omnes، فإن الدول الأخرى تتحمل المسؤولية ولا يمكن لهذه الدول أن تتصرف وكأن القضية هي بين إسرائيل والفلسطينيين فقط وتتجاهل واجباتها القانونية. أولاً وقبل كل شيء، يتعين عليهم ألا يتعاملوا مع استخدام إسرائيل للقوة في غزة والضفة الغربية باعتباره أمراً قانونياً، ولا ينبغي لهم أن يساعدوا أو يدعموا هذه التصرفات.
وهذا يعني عدم الاعتراف بحق إسرائيل في استخدام هذه القوة، ووقف الدعم المقدم لإسرائيل، بما في ذلك الدعم العسكري، لهذا الغرض.
وفي المقام الثاني، فإنهم ملزمون باتخاذ خطوات إيجابية لإنهاء الوضع غير القانوني، وهذا يعني، كحد أدنى، الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وعلى نطاق أوسع، دعوة إسرائيل إلى إنهاء الاحتلال.
في الوقت الحالي، تتصرف بعض الدول كما لو كانت حرة في انتقاء ما تقول إنه ليس شرعيًا: مثل إدانة الضم المزعوم للقدس الشرقية، وزرع المستوطنات في الضفة الغربية ــ والتي تعترض عليها أو على الأقل ترفض الاعتراف بها وتقول إنها غير قانونية، في نفس الوقت تلتزم هذه الدول الصمت بشأن أمور أخرى غير شرعية، بل وتقوم بدعمها أحيانًا، بالرغم من أنه لا يوجد أي فرق بين كل تلك الخروقات القانونية في القانون الدولي. بل في الواقع، إنها تنطوي على انتهاكات للقانون الدولي من قبل هذه الدول من حيث الدعم غير القانوني و/أو اختيار التزام الصمت في وقت يوفر لهم القانون الاعتراض. يتعين على الدول أن تواجه الطبيعة الأكثر شمولاً للوضع القانوني الذي تعيشه، وما يعنيه ذلك بالنسبة لسياساتها وبياناتها وأفعالها.
إذا كان القانون الدولي، كما تؤكد هذه الدول، قانونًا بالفعل، فهو بحكم تعريفه قابل للتطبيق عالميًا، وليس مجرد شيء يجب مراعاته بقدر ما يتماشى مع مصالحها السياسية.
القضايا المهمة التي تكون فيها جميع البلدان معنية قانونيًا، لا يمكنها اختيار تطبيق القواعد بشكل انتقائي أو اتباع معايير مزدوجة، الدول يجب أن تكون متسقة وعادلة في كيفية تطبيق المبادئ القانونية، وخاصة في المسائل الهامة التي تتعلق بالقانون الدولي. ولا ينبغي لهم التعامل مع المواقف المماثلة بردود فعل مختلفة بناءً على البلدان أو الأطراف المعنية (كما في حالة فلسطين وأوكرانيا).
ترجمة مقال للأكاديمي والخبير القانوني البريطاني رالف وايلد Ralph Wilde
رالف وايلد Ralph Wilde
هو أكاديمي وخبير في القانون الدولي العام وهو عضو هيئة التدريس في كلية الحقوق- كلية لندن الجامعية، جامعة لندن (UCL)، وخبير في القانون العام، متخصص في القانون الدولي، وقد نشر العديد من الأبحاث المتعلقة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
يشغل حاليًا منصب مستشار قانوني لجامعة الدول العربية في الملف القانوني المتعلق بالنتائج المترتبة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قضية الرأي الاستشاري بشأن القدس الشرقية أمام محكمة العدل الدولية.
حصل على جائزة عن كتابه الصادر عام 2008 بعنوان “الإدارة الإقليمية الدولية: كيف لم تنته الوصاية والمهمة الحضارية أبدًا”، وفي عام 2009 حصل على شهادة التقدير من الجمعية الأمريكية للقانون الدولي.
** يُرجى الأخذ في الاعتبار أن هذا المقال كتبه الكاتب بصفته الشخصية فقط، وليس بصفته في القضية، وهي تعبر عن آرائه الخاصة فقط، بناء على أفكار وردت في أعمال منشورة قبل تعييني في القضية (انظر هنا، هنا، هنا، وهنا) والتي ولا ينبغي أن تؤخذ على أنها آراء جامعة الدول العربية أو أي من أعضائها، سواء بشكل عام أو فيما يتعلق بالقضية.
للاطلاع على المقال باللغة الإنجليزية:
ملاحظات:
- القواعد الآمرة أو Jus cogens هي بعض المبادئ الأساسية والطاغية للقانون الدولي التي لا يُسمح بأي انحراف عنها (مثل حظر الإبادة الجماعية
- Erga omnes مصطلح يشير إلى الالتزامات التي تقع على عاتق الدولة تجاه المجتمع الدولي ككل (مثل الالتزام بمنع الجرائم ضد الإنسانية)
- اتفاقية الانتداب على فلسطين الصادرة عن عصبة الأمم: اتفاقية وضعت فلسطين تحت الإدارة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، وقد ضم هذا الانتداب الالتزام الذي تم التعهد به في وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين).
- المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم: نصت المادة 22 بشكل أساسي على أنه ينبغي الاعتراف بالأراضي الواقعة تحت الانتداب (مثل فلسطين) كدول مستقلة بطريقة مؤقتة. ويمكن تفسير ذلك على أنه شكل فريد من أشكال الحق في تقرير المصير، مما يشير إلى أن سكان هذه المناطق كان لهم الحق في حكم أنفسهم في نهاية المطاف.
- “الأمانة المقدسة للحضارة”: وصفت المادة 22 “الأمانة المقدسة للحضارة” حيث تدار الأراضي التي كانت تحكمها ألمانيا والإمبراطورية العثمانية سابقًا (بما في ذلك فلسطين) من قبل سلطات مختلفة نيابة عن عصبة الأمم حتى يتمكنوا من الوقوف بمفردهم كدول مستقلة.