في تصعيد جديد للغة التهديد تجاه قطاع غزة؛ أعلن وزير الحرب لدى الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن كيانه سيجعل القطاع “أصغر وأكثر عزلة”، في تصريح يكشف بوضوح سياسة متواصلة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتهجيره قسراً، ضمن حرب إبادة شاملة لا تزال مستمرة منذ أكثر من سنة ونصف.
وادّعى كاتس أن هذه الإجراءات تأتي في إطار “الضغط على حماس”، غير أن فحوى تصريحاته تؤكد أن الاستهداف يطال السكان المدنيين والبنية المجتمعية للقطاع، من خلال تقليص مساحته وعزل مناطقه، ودفع السكان نحو النزوح القسري.
وتتواصل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي من خلال قصف ممنهج وتهجير واسع النطاق، حيث أُجبر مئات الآلاف من السكان على ترك منازلهم في شمال القطاع وجنوبه، مع تحويل مناطق واسعة إلى “مناطق أمنية” تحت سيطرة الاحتلال، مثل ما جرى في محور موراج الذي بات يفصل رفح عن خان يونس، ويعد جزءاً من مخطط لعزل المدن الفلسطينية عن بعضها وتفكيك الجغرافيا السكانية بالقوة.
وتمثل هذه الإجراءات الخطيرة جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، وفقاً لتعريف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية، والتي تجرم “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية”. وتشمل هذه الأفعال القتل الجماعي، والإضرار الجسيم أو النفسي، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى التدمير التدريجي للجماعة، وهي كلها عناصر قائمة في العدوان المستمر على غزة.
إن إعلان كاتس أن القطاع سيُجعل “أكثر عزلة” يتجاوز مجرد التصعيد العسكري، ليعبر عن نية مبيتة لإبادة جماعية عبر التهجير والتجويع والقصف، بالتوازي مع حصار خانق يمنع وصول الغذاء والمياه والدواء والوقود، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف التي تحظر العقاب الجماعي، والمواد الأساسية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أن استمرار الاحتلال في إصدار أوامر بالإخلاء القسري في مناطق مثل بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا ورفح، دون توفير ممرات إنسانية آمنة، يفضح سياسة اقتلاع السكان من جذورهم، تمهيداً لإعادة تشكيل الخريطة السكانية في القطاع، ما يرسخ طابع الإبادة الجماعية التي لا تقتصر على القتل، بل تمتد إلى محاولة محو هوية السكان ووجودهم الجغرافي.
وتأتي هذه الممارسات ضمن حرب إبادة شاملة أسفرت عن أكثر من 167 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى آلاف المفقودين، بحسب إحصاءات رسمية صادرة عن حكومة غزة.
وتمثل تصريحات وزير الحرب في كيان الاحتلال، وواقع الأرض الذي يدعمها، دليلاً قاطعاً على أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد حرب، بل إبادة جماعية ممنهجة تُنفّذ على مرأى العالم، وتتطلب تحركاً فورياً من المجتمع الدولي، ليس فقط لوقف الجرائم، بل لمحاسبة مرتكبيها كمجرمي حرب أمام المحاكم الدولية، وإعادة الاعتبار للعدالة والكرامة الإنسانية في وجه آلة القتل والاقتلاع.