صباح الثلاثاء 28 يونيو/حزيران 2022 نظمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بالتعاون مع منظمة “فنانون من أجل فلسطين بالمملكة المتحدة- حفل تأبين للصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة -تبعها احتفالية كبرى داخل مؤسسة سانت برايد- تكريماً لمسيرتها المهنية المليئة بالكفاح والمواقف الشجاعة، وتخليداً لذكراها ولذكرى كل صحفي وصحفية قُتلوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي أثناء نقلهم للحقيقة وتغطيتهم للأحداث على أرض فلسطين.
بدأت الاحتفالية بقداس داخل كنيسة سانت برايد في العاصمة البريطانية لندن، حيث حضر نشطاء وحقوقيون من جنسيات مختلفة، كما حضر الكثير من محبي شيرين حول العالم عرفاناً منهم بجميلها تجاه قضية وطنها العادلة، وسعيها الذي لم يتوقف لآخر لحظة في حياتها في نقل صوت الضحايا وفضح جرائم الاحتلال.
القسيسة د. أليسون جويس – عميدة كنيسة سانت برايد- بدأت الحديث بتوجيه التحية إلى العاملين في المجال الإعلامي، معبرة عن غضبها من مقتل شيرين أبو عاقلة بهذه الطريقة، حيث قالت “إلى جميع العاملين في هذا المجال، نحملكم في قلوبنا، نشعر بآلامكم، نشارككم مشاعركم الغاضبة من مقتل الصحفية البريئة برصاصة غادرة”.
ولفتت القسيسة جويس إلى أنه قد “مر أكثر من شهر على مقتل شيرين، ولا يزال الحزن والصدمة بسبب فقدانها يخيمون على الموقف”، مضيفة “نحن هنا اليوم من أجلها، من أجل تكريمها وتخليد ذكراها وذكرى كل صحفي قُتل أثناء تغطيته ما يحدث في فلسطين”.
انضمت -عبر الإنترنت- إلى حفل التأبين الفلسطينية لينا أبو عاقلة -ابنة شقيق الصحفية المغدورة شيرين أبو عاقلة- التي تحدثت عن شيرين الإنسانة قبل أن تكون شيرين الصحفية المتميزة.
قالت لينا أبو عاقلة “قبل أن تكون صحفية، كانت شيرين إنسانة رائعة.. كانت معطاءة لأبعد مدى، كانت واحدة من الناس، من وإلى الشعب”، مضيفة “شيرين قضت حياتها في كل زاوية وفي كل قرية في فلسطين، كانت تسعى لتغطية كل جوانب النضال الفلسطيني”.
ولفتت لينا إلى الاعتداءات الوحشية التي تعرضت إليها جنازة تشييع شيرين أبو عاقلة، قائلة إن “شيرين واصلت دورها الصحفي في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي حتى خلال جنازتها التي هاجمها جنود الاحتلال”.
وتابعت لينا “الشعب الفلسطيني حمل شيرين أبو عاقلة على أكتافهم بنفس الطريقة التي حملت بها أصواتهم إلى العالم أجمع على مدار الـ 25 سنة الماضية”.
وأكدت لينا أن العائلة ستواصل المطالبة بحق شيرين، وتعريض جميع الجناة المسؤولين عن هذا الحادث البشع للمساءلة القانونية.
الإعلامي علي السمودي، المنتج بقناة الجزيرة، وزميل شيرين الذي كان معها وقت الحادث وأصيب برصاصة في ظهره، شارك في الحفل بكلمة عبر الإنترنت، حيث تحدث عن رحلة عمله مع شيرين أبو عاقلة، والتي جاوزت العشرين عاماً، حيث قال عنها “عرفت شيرين أبو عاقلة عن قرب كزميلة صحفية وكأخت رائعة وكفلسطينية ملتزمة”، مضيفاً “شيرين أبو عاقلة تمتلك كيمياء فلسطينية وكيمياء إنسانية، كانت تمتع بروح العطاء والتضحية والشجاعة والبطولة بكل معنى الكلمة”.
تحدث السمودي عن شيرين كمواطنة فلسطينية تحب شعبها وتغتنم أي فرصة للعمل الخيري وتقديم المساعدات النفسية والمادية للمحتاجين، حيث قال “لطالما كانت شيرين تبادر لتقديم الخير والوقوف إلى جانب المهمشين والفقراء ونصرتهم ورفع كاهل الأذى عنهم “.
وتابع “لم تتوقف شيرين أبداً عن عمل الخير وتقديم العون لكل المحتاجين والتقرب إلى الله… لم تفارقها مسبحتها أبداً، كانت دائمة التسبيح”.
واختتم السمودي كلمته قائلاً “شيرين رحلت، لكن بذرة الخير التي زرعتها في فلسطين وفي العاصمة القدس ما زالت تنمو وتكبر وستستمر”.
من على قمة أحد تلال القدس، وقفت الصحفية ومنتجة الأخبار بالجزيرة نجوان السمري، متحدثة عن شيرين أبو عاقلة، زميلتها ورفيقة دربها، من أكثر الأماكن حباً لقلب شيرين.
عبرت نجوان عن حالة الحزن المستمرة التي تعيشها بسبب فقدان شيرين، وهو الأمر التي لم تستوعبه بعد بسبب الفراغ الهائل الذي تركه رحيل شيرين برصاص قوات الاحتلال، خاصة وأن شيرين لم تكن مجرد صديقة بالنسبة لها، بل كانت أكثر من ذلك- على حد وصفها.
وتابعت نجوان بصوت باك وبعيون تحتبس بداخلها الدموع “لم يقتل الاحتلال مجرد شخص واحد، قتل الأم والأخت والصديقة والناصح… لقد كانت شيرين كل هذا بالنسبة لي”، مضيفة “بدأت عملي في الجزيرة في عام 2003، حيث بدأت معرفتي الشخصية بشيرين أبو عاقلة التي بدأت تتوطد بقوة وبعمق… شيرين كانت الشخص الأقرب إلى روحي في هذه الحياة.. عملياً الاحتلال عندما قتل شيرين، قتل أكثر من شخص أحبه”.
واختتمت نجوان كلمتها قائلة “أطلب العدالة لشيرين، بالرغم من أن العدالة الحقيقية كانت ألا تُقتل شيرين من الأساس.. العدالة هي أن نخرج من بيوتنا دون خوف من أن نُقتل أو يُقتل شخص عزيز علينا”.
الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني كانت ضمن المشاركين في حفل التأبين، والتي قامت بترجمة كلمة نجوان للحضور إلى الإنجليزية، ثم قامت بغناء “هكذا يكبر الشجر” للشاعر الفلسطيني محمود درويش، بأداء ملحمي مؤثر عبر عن حجم الألم الذي سببه موت شيرين.
كما تخلل الحفل تكريم عائلة الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة بدرع شرفي حمل كلمتها الشهيرة “ليس سهلاً ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”، كما تم تقديم الدرع لعميدة كنيسة سانت برايد د. أليسون جويس.
حضر الفعالية أيضاً عدد من السياسيين البريطانيين مثل البارونة هيلينا كنيدي، وجيرمي كوربن، وعضو البرلمان جون ماكدونال.
كما شارك عدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان مثل السيد محمد جميل – رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، والمحامي البريطاني ريس ديفيز، وياسمين أحمد من هيومان رايتس ووتش، والأكاديمية الفلسطينية نادية ناصر نجاب- زميلة أبحاث في المركز الأوروبي لدراسات فلسطين في جامعة اكسيتر.
ومن الإعلامين والأكاديميين حضر كل من تيرا شوبارت -المديرة التنفيذية لصندوق روري بيك، وبيتر أوبورن، ومراسلة الجزيرة مينة حربلو، والصحفية البريطانية المخضرمة بيني كوينتون.
ومن الفنانين شارك كل من هيلاري ويستلك، ميراندا بينيل، فرحانة شيخ، سارة بيدينغتون، جيني مورجان، جوسيف إدوارد.
جميع الحضور والمشاركين أجمعوا أن رحيل شيرين أبو عاقلة خسارة كبيرة، مشددين على ضرورة محاسبة القتلة وتقديم الجناة إلى العدالة الدولية من أجل الانتصاف لشيرين ولجميع الصحفيين الذين قُتلوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي، طالبوا المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لوضع حد لممارسات الاحتلال الوحشية التي يرتكبها ضد الصحافة.