عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا حلقة نقاشية مساء الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول بعنوان “لماذا لم تلجأ الدول حتى الآن لاتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية؟”، بهدف تسليط الضوء على المعوقات والتحديات لتقديم اتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية.
كما ناقش الضيوف السبل القانونية والحقوقية والتحركات الشعبية الممكنة، لتحقيق العدالة لضحايا جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وسبل الانتصاف القانوني للضحايا ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
شارك في الندوة نخبة من القانونيين والمحللين السياسيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، هم د. دان كوفاليك – محامي أمريكي ومدافع عن حقوق الإنسان وحقوق العمال، و د. ليكس تاكينبيرغ- مستشار في منظمة “النهضة العربية للديمقراطية والتنمية”، و د. فيليز دير- محامية تركية متخصصة في القانون الدولي الإنساني، ولميس ديك – محامية دولية، ورامي شعث – ناشط سياسي ومدافع عن حقوق الإنسان فلسطيني مصري، وجوزيف ريد ميلبرن – محامي لدى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في شيكاغو، وشهد قدورة – باحثة قانونية في منظمة الحق.
في كلمته، قال البروفيسور دان كوفاليك إن قضية فلسطين “القضية الأكثر إلحاحًا في العالم اليوم”، وسلط الضوء على زيارته الأخيرة للضفة الغربية، حيث أجرى بحثًا حول القمع المتزايد الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين هناك، وأشار البروفيسور كوفاليك إلى أن الوضع في الضفة الغربية، على الرغم من أنه يحظى باهتمام أقل من غزة، إلا أنه لا يقل خطورة.
كما تناول البروفيسور كوفاليك إحجام الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، عن استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” فيما يتعلق بالوضع في غزة، لافتًا إلى أن هذا التردد ينبع من المخاوف من الملاحقة القضائية الدولية، قائلاً: “إن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، حريصون على تجنب استخدام مصطلح الإبادة الجماعية… لأن لديهم مخاوف من الملاحقة القضائية”، وأضاف أن شخصيات مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن يمكن مقاضاتها بتهمة المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية.
علاوة على ذلك، أشار البروفيسور كوفاليك إلى الإجراءات القانونية المتخذة في الولايات المتحدة بخصوص هذا الأمر، مشيرًا إلى أن “مركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة رفع دعوى قضائية ضد إدارة بايدن زاعما أنها مسؤولة عن المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية في غزة”، مؤكدا خطورة هذه الاتهامات.
وحول رد الفعل الدولي، تساءل البروفيسور كوفاليك عن سبب تردد الدول التي تنتقد إسرائيل في تفعيل اتفاقية الإبادة الجماعية، قائلًا: “لماذا لا تتهم الدول التي تنتقد إسرائيل بالإبادة الجماعية أمام القضائية؟ من الصعب بالنسبة لي أن أفهم ذلك، لكن ربما يخشون الرد بالمثل”.
كما انتقد المحكمة الجنائية الدولية لتقاعسها، وأعلن أن “المحكمة الجنائية الدولية تخلت تماما عن دورها في هذا الصراع”، مؤكدًا بأنه كان ينبغي للمحكمة الجنائية الدولية توجيه الاتهام إلى القادة الإسرائيليين مثل بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وشدد البروفيسور كوفاليك على ضرورة التزام الولايات المتحدة، باعتبارها طرفًا في اتفاقية الإبادة الجماعية، بأحكامها بموجب بند السيادة الأمريكية في الدستور. كما تحدث عن ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، قائلاً: “إن القانون الدولي، في شكله المثالي، يدور حول المعاملة بالمثل والحماية لجميع الدول؛ ومع ذلك، فإن النظام الحالي يفشل في دعم هذا المبدأ بشكل موحد وعادل”.
وفي نهاية كلمته، أكد البروفيسور كوفاليك أن “ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية كما يقول الكتاب، يجب تفعيل العمل ببنود هذه اتفاقية الإبادة الجماعية”، كما شدد على الضرورة الملحة والضرورة الأخلاقية لأن يتصرف المجتمع الدولي وفقا للقانون الدولي لمعالجة الأزمة في غزة.
في مداخلتها سلطت المحامية الدولية لميس ديك الضوء على التعقيدات والتحديات القانونية أمام معالجة الأزمة الفلسطينية، حيث بدأت لميس كلمتها بمعالجة الطبيعة المتأصلة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني الإسرائيلي، قائلة: “إن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الإسرائيلي هو في حد ذاته إبادة جماعية بطبيعته”، وشرحت ذلك بالإشارة إلى أن “الكيان الصهيوني انخرط في التعبير الصريح عن نية الإبادة الجماعية، والتي يعود تاريخها إلى نشأة الكيان الصهيوني في الأربعينيات ثم مرارا وتكرارا منذ عام 2009 خلال الحروب على غزة”.
وسلطت لميس الضوء على استمرار جرائم الحرب، مشددة على دور الأطر القانونية والمؤسسية الدائمة في تمكين مثل هذه الجرائم، قائلة: “أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار جرائم الحرب هذه، كما ذكر كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، هو الإطار القانوني الدائم وغير المتغير الذي لم يسمح ببدء هذه الجرائم فحسب، بل سمح لها أيضًا بالاستمرار في ارتكابها بلا هوادة”، وأشارت كذلك إلى أن “الأطر القانونية والخطابية المستمرة وغير المتغيرة لم تسمح ببدء جرائم الحرب هذه فحسب، بل سمحت أيضًا بمواصلتها”.
أعربت لميس كذلك عن قلقها بشأن رد فعل المجتمع الدولي حيال ما يحدث في غزة حاليًا، وانتقدت الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، حيث قالت “إن اعتمادنا على نظام دولي ضعيف ومسيس مسلوب الإرادة في كل شيء بدءًا من الأمم المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية هو مصدر قلق دائم حول إمكانية تطبيق القانون وتحقيق العدالة “.
وأشارت لميس إلى أن “المعايير التي حددتها اتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي قد تم انتهاكها، ويبدو أنها “الزمن شوهها على مدار 80 عامًا”.
الحاجة إلى الإصلاح الهيكلي في الهيئات الدولية كانت من أهم النقاط أثارتها لميس، حيث قالت: “منذ عدة سنوات، ظل المحامون الدوليون والأطراف المهتمة الأخرى يناقشون إمكانية إعادة صياغة هيكل الأمم المتحدة”.
وسلطت الضوء على التأثير النفسي والقانوني للرواية الصهيونية والإسرائيلية السائدة، قائلة: “إن الرواية السائدة التي يتبناها الصهاينة والإسرائيليون تؤدي في كثير من الأحيان إلى التغطية على التجارب الفلسطينية النفسية والقانونية، وهذا يشمل معاناتهم، والقمع الذي يواجهونه، والظلم الذي يواجهونه”، وأشارت إلى أن الفلسطينيين يواجهون “ثلاث تحديات: التجريم القانوني والسياسي، وعدم التعامل كبشر، وتقويض حقهم في المقاومة”.
وشددت لميس على أهمية تكامل حقوق الإنسان مع القطاعات الأخرى من أجل اتخاذ إجراءات قانونية فعالة، قائلة: “إن الجمع بين حقوق الإنسان والقطاعات الخاصة والوطنية والإقليمية أمر ضروري لاتخاذ إجراءات قانونية فعالة ضد هذه المظالم”، ودعت إلى فهم وتطبيق أوسع لمصطلح “الإرهاب”، وأشارت إلى أنه “في القطاع الخاص، لدينا أدوات لفهم ومتابعة منافذ أخرى لتنفيذ العدالة، خارج الهيئات الدولية التقليدية”.
كان استكشاف الأساليب القضائية المختلفة محورًا آخر لخطابها: “نحن بحاجة إلى استكشاف أدوات قضائية أخرى مثل الأحكام التفسيرية والقرارات التكيفية لتعزيز استراتيجياتنا القانونية”، ودعت إلى اتباع نهج أكثر حزما تجاه محكمة العدل الدولية والتطلع إلى ما هو أبعد من المنافذ الأخرى، مشددة على ضرورة “الجمع بين كل هذه الجوانب وإعطائها القوة وتطبيقها بفعالية في السعي لتحقيق العدالة”.
في مداخلته، قدم الدكتور ليكس تاكينبيرغ تحليلاً شاملاً للحرب الحالية في غزة وتداعياتها القانونية. بدأ الدكتور تاكينبيرغ بالتأكيد على خطورة الوضع قائلاً: “بعد مرور أكثر من 10 أسابيع منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أصبح لدينا وفرة من الأدلة الظاهرة وغيرها من الأدلة على ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، وبشكل متزايد أيضًا في الضفة الغربية”، مضيفًا ” لدينا الكثير من الأدلة على توافر نية الإبادة الجماعية لدى إسرائيل، بالإضافة إلى الممارسات التي تهدف إلى التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في غزة”.
وفي تعمق أكثر في طبيعة هذه الممارسات الإسرائيلية، أشار إلى أن ” الأدلة التي جمعناها تُظهر نمطاً مثيراً للقلق من الممارسات التي تنطبق عليها تعريفات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في القانون الدولي، لا سيما في كيفية تنفيذها بشكل منهجي منذ بداية هذه الحرب”، ثم تناول الدكتور تاكينبيرغ ممارسات القوات الإسرائيلية قائلاً: “لا يمكن النظر إلى الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، والتي اتسمت بالقصف الواسع النطاق وتدمير البنية التحتية المدنية، بمعزل عن نية التطهير العرقي وأعمال الإبادة الجماعية”.
وأضاف الدكتور تاكينبيرغ: “خلال عقود من العمل في مجال القانون الدولي، نادرًا ما رأينا مثل هذه الأمثلة الواضحة التي تتوافق فيها الإجراءات على الأرض بشكل وثيق مع التعريفات القانونية للإبادة الجماعية والتطهير العرقي كما هو الحال في الوضع الحالي”، وأعرب عن قلقه إزاء عدم وجود رد فعل قانوني: “إن استمرار هذه الجرائم دون تداعيات قانونية كافية لا يدل على فشل الآليات الدولية فحسب، بل يشجع أيضًا على مواصلة ارتكاب هذه الجرائم ضد الإنسانية”.
وسلط الضوء على أمثلة محددة من الأدلة، قائلًا “إن القصف الإسرائيلي، وأوامر إخلاء المنازل، والهجمات المنهجية على البنية التحتية العامة والمستشفيات والمدارس وخزانات المياه والألواح الشمسية وما إلى ذلك، كلها نماذج بسيطة على توافر نية الإبادة الجماعية”. ومع ذلك، فقد لاحظ تأخيراً مثيراً للقلق في تطبيق الإجراءات القانونية: “على الرغم من الجرائم المروعة التي ترتكبها إسرائيل، لا تزال الإجراءات القانونية بطيئة، وهي متأصلة جزئياً في استخدام المحاكم وتدابير الإجراءات القانونية لفرض المساءلة على المجرمين مرتكبي هذه الجرائم البشعة”.
ثم ناقش الدكتور تاكينبيرغ السياق الأوسع للقانون الدولي: “يشكل الوضع الحالي لآليات المساءلة الدولية مصدر قلق كبير حول إمكانية تحقيق العدالة، وبالنظر إلى دراستي في القانون الدولي منذ أكثر من 30 عاما، كان التركيز في الغالب على إنشاء وتحديد المعايير القانونية، لكن اليوم، يكمن التحدي الحاسم في إنفاذ هذه القوانين بشكل فعال على نطاق عالمي.”
وعلق أيضًا على القيود المفروضة على المحاكم الدولية: “إن تجربة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية لا تزال محدودة إلى حد ما، وهو عنصر هيكلي في إطارنا القانوني الدولي الحالي، كما ويشكل التسييس القوي لهذه القضايا عنصرا آخر يعيق التقدم”.
وأكد الدكتور تاكينبيرغ على ضرورة مساءلة المسؤولين الإسرائيليين “يجب أن تركز كل الجهود على المساءلة… هذا هو الشيء الوحيد الذي سيوقف إسرائيل وداعميها، الذين ليس لديهم أي جانب أخلاقي، ويغضون الطرف عن الجرائم المتركبة بالرغم من توافر الأدلة.”وودعا إلى بذل جهود متواصلة: “إن الضغط المستمر على مكتب المدعي العام أمر ضروري، حيث كان هناك الكثير من الضغط في سياقات مختلفة والتي تحتاج فقط إلى الاستمرار بصوت عالٍ وواضح قدر الإمكان”.
وفي معرض حديثه عن التردد الدولي، أشار إلى أن “الضغوط المستمرة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل أخافت الكثير من الدول من اتخاذ الخطوة التي اتخذتها غامبيا تجاه ميانمار والروهينغا”. كما سلط الضوء على دور المجتمع المدني: ” دور المجتمع المدني مهم جدًا في هذه المرحلة من أجل ضمان تحقيق العدالة “.
واختتم الدكتور تاكينبيرغ بدعوة إلى العمل: “من المؤكد أن استخدام المحاكم الوطنية ينطوي على إمكانات هائلة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويجب متابعته بشكل أكثر منهجية”.
واختتم كلمته قائلًا “إن الطبيعة المنهجية للهجمات الإسرائيلية، التي تستهدف المرافق الأساسية للحياة، تكشف عن استراتيجية تتجاوز الأهداف العسكرية إلى ما يمكن تفسيره على أنها أعمال تهدف إلى القضاء على وجود الشعب في وطنه.”
وفي كلمتها، قدمت الدكتورة فيليز ديغر، المحامية التركية المتخصصة في القانون الإنساني الدولي، تحليلاً شاملاً للحرب الحالية في فلسطين. بدأت د. فيليز بمقارنة الوضع في فلسطين قبل وبعد تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث قالت “قبل السابع من أكتوبر كانت إسرائيل تمارس بالفعل العقاب الجماعي بصورة منهجية ضد الفلسطينيين، لكن بعد ذلك التاريخ بدأت إسرائيل حملة دمار شامل انتهكت بموجبها القوانين والمعاهدات الدولية بكل المقاييس”.
ثم تناولت معاملة المدنيين في مناطق النزاع، مشيرة إلى اتجاه مثير للقلق: “إذا كان يُنظر إلى المدنيين على أنهم متحالفون مع العدو، فإنهم يعاملون أيضًا كأعداء… وهذا التبرير لمهاجمة المناطق المدنية يوحي بالإبادة الجماعية، مما يجعل من المستحيل على المدنيين أن يعيشوا بأمان، أو العودة لمنازلهم”.
كما سلطت الضوء على الأثر الشديد للعمليات العسكرية على السكان المدنيين والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان.
وشددت د. فيليز على الأهمية العالمية لحقوق الإنسان، قائلاً: “إن حقوق الإنسان هي قيمة مشتركة توحد البشرية جمعاء، لكن الدول والجهات الفاعلة تعمل على زعزعة استقرار تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وأشارت إلى الانقسام بين المثل الأعلى لحقوق الإنسان وواقع إنفاذها”.
تم تطرقت د. فيليز إلى الأمم المتحدة، حيث انتقدت استخدام حق النقض: “إن استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للحفاظ على الوضع الراهن وعدم توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة باستخدام القوة المشروعة الجماعية هي جزء من أسباب ما يحدث حاليًا”، مشيرة إلى التحديات التي تواجه هياكل الإدارة الدولية والتي تعيق اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة الوضع الراهن.
وفي معرض حديثها عن دور المحكمة الجنائية الدولية، قالت: “إن عدم اعتبار المحكمة الجنائية الدولية وفاة الآلاف من الأشخاص سبباً كافياً لإصدار اعتقال لا يجسد كارثة إنسانية فحسب، بل يجسد إساءة استخدام القانون”.
كما أوضحت هذه النقطة قائلة: “هذه ليست كارثة إنسانية لا تستطيع الأمم المتحدة إدارتها، ولكن هذا يسمى إساءة استخدام القانون… يمكننا أن نقول إن ما يحدث حاليًا هو ما يُسمى بالحرب القانونية، وهي التي يتم فيها استغلال القانون لانتهاك حقوق الآخرين “، وقد أكد هذا المصطلح وجهة نظرها للوضع باعتباره تلاعبًا استراتيجيًا بالأنظمة القانونية.
واختتم د. فيليز حديثها قائلة “إذا لم تمتثل الدول لقرارات المحاكم، فيمكن لمجلس الأمن اتخاذ إجراءات، وفقًا للمادة 94 أو الفصل 7 من ميثاق الأمم المتحدة”. ومع ذلك، أشارت أيضًا إلى عقبة كبيرة: “المشكلة تكمن في عملية صنع القرار في مجلس الأمن، حيث قد يمنع حق النقض اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الانتهاكات”.
كلمة الناشط السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان رامي شعث غطت مجموعة من القضايا المتعلقة بالأزمة المستمرة في فلسطين، إذ سلط خطابه الضوء على العدالة الدولية، والإجراءات القانونية المحلية، والسياق الجيوسياسي الأوسع لتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين.
بدأ شعث بانتقاد المؤسسات الدولية قائلاً: على المستوى الشخصي، أنا لا أثق كثيرًا في محكمة العدل الدولية وفي كل المؤسسات القضائية التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية… إنها مبنية على خلل صريح في التوازن بين السلطة والسيطرة.”، وهذا ما حدد لهجة حجته التي ركزت على السلطات القضائية المحلية كوسيلة أكثر فعالية لطلب العدالة.
وأكد على دور المحاكم المحلية، قائلا: ” أنا مؤمن بشدة بالسلطات القضائية المحلية… يقع مقرنا حاليًا في فرنسا، حيث نعمل جاهدين على استخدام كل الفرص القانونية الممكنة لملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني.”، وشدد شعث على إمكانية استخدام الأنظمة القانونية المحلية لمعالجة القضايا الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بالفلسطينيين ذوي الجنسية المزدوجة.
ويمتد تحقيق شعث ليشمل مختلف الأطراف الفاعلة في الحرب الحالية “نحن نحقق في قضايا تتعلق بآلاف المرتزقة الذين تم شحنهم من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي للمشاركة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين… يشمل عملنا كذلك رفع قضايا ضد الناقلات التي نقلت هؤلاء المرتزقة، مما سمح لهم بالانضمام إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين، كما نحن ندرس دور الشركات التي سهلت دعم إسرائيل بالأسلحة أو قطع غيار الأسلحة، والتي استخدمتها في الحرب الحالية ضد الفلسطينيين”.
على الرغم من اهتمامه بمحكمة العدل الدولية، أعرب شعث عن تحفظاته بشأن فعاليتها وحيادها، خاصة بعد الفساد المحيط بالمحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى تصرفات السيد خان: “لقد لاحظنا تحيزًا في المحافل الدولية؛ لقد لاحظنا التحيز في المحافل الدولية؛ مثلما حدث عندما سافر كريم خان إلى فلسطين للقاء الناجين من الإبادة الجماعية، ولم يمنح الفلسطينيين سوى 10 دقائق فقط للتحدث، في المقابل منح الجانب الإسرائيلي من القصة يومين كاملين لسرد رواياتهم.”.
وتحدث شعث عن الحاجة إلى المناصرة الشعبية: “نحن بحاجة إلى توحيد الجهود الشعبية، قبل بضعة أيام فقط، كانت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أول من أعلن أن ما يحدث في فلسطين هو إبادة جماعية… نحن بحاجة إلى الضغط على مجموعات مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش لتفعل الشيء نفسه.”
كما ناقش ضرورة بذل جهود محلية قبل التوجه إلى المحاكم الدولية: “هناك قدر كبير من العمل الأساسي والجهود المحلية المطلوبة قبل أن نتمكن من الضغط بشكل فعال على محكمة العدل الدولية لإجراء مداولات جادة ما يحدث حاليًا في فلسطين”.
لا تتضمن استراتيجية شعث معارك قانونية فحسب، بل تتضمن أيضًا السعي للحصول على اعتراف دولي بالوضع باعتباره إبادة جماعية: “تشمل استراتيجياتنا… دفعًا أوسع نطاقًا نحو الاعتراف الدولي بالفظائع باعتبارها إبادة جماعية، وهو مصطلح يصف الوضع في فلسطين بدقة.”
واختتم رامي شعث كلامه قائلًا: ” هناك نمط واضح من العنف والقمع المنهجي في فلسطين، الذي تمارسه الاحتلال الإسرائيلي، والذي يشكل محاولة متعمدة للقضاء على الهوية والوجود الفلسطيني… تورط المرتزقة الدوليين… الرد الدولي المتحيز، كل هذا يوضح حقيقة ما يحدث… ينصب تركيزنا الآن على بناء قضية قوية من خلال المحاكم المحلية والمنصات الدولية، لفضح الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين والتصدي لها وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة”.
في كلمته، ألقى المحامي جوزيف ريد ميلبورن من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في شيكاغو خطابًا تناول تعقيدات الوضع الفلسطيني، مع التركيز بشكل خاص على غزة، وتناول خطابه الجوانب القانونية والإنسانية للأزمة.
بدأ ميلبورن بتسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون فيما يتعلق بالتنقل، حيث قال ” من الصعب جدًا على الفلسطينيين من الضفة الغربية الحصول على تصاريح لدخول غزة، والأمر أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين من غزة في حال أرادوا الخروج منها… مما يجعل غزة فعليًا سجنًا مفتوحًا”، وشدد أيضًا على خطورة هذه القيود، مشيرًا إلى أن ” تقيد إسرائيل بشكل كبير حصول الفلسطينيين من الضفة الغربية على تصاريح لدخول مناطق 48، كما أن الأمر أكثر صرامة بالنسبة للفلسطينيين من غزة للحصول على تصاريح للدخول 48 أو الانتقال إلى الضفة الغربية”.
وأشار إلى الطبيعة المتعمدة لهذه السياسات، قائلاً: “يظهر هذا الوضع أن إسرائيل جعلت من غزة سجناً مفتوحًا، حيث من الصعب جدًا الدخول إليه، بل ومن الأصعب الخروج منه”.
ثم تطرق ميلبورن إلى المفارقة القانونية التي لوحظت في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتساهل مع الجيش الإسرائيلي رغم كل الجرائم التي يرتكبها، حيث قال “في أمريكا، يعد الانضمام إلى جيش أجنبي أمرًا غير قانوني، ومع ذلك نرى عددًا كبيرًا من الأمريكيين اليهود ينضمون إلى الجيش الإسرائيلي… إنها ظاهرة شائعة الآن، لكن يتم التغاضي عنها”.
وسلط الضوء على عدم الاتساق في تطبيق القانون الدولي “ومن المضحك والمثير للدهشة أن الدول التي لديها قوانين ضد انضمام مواطنيها إلى الجيوش الأجنبية تغض الطرف عندما يتعلق الأمر بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي”.
وتابع “إن صغر حجم غزة مقارنة بمدن مثل شيكاغو يجعل من السهل على طالبي اللجوء إثبات عدم قدرتهم على الهروب من الاضطهاد داخل غزة”.
وأعرب ميلبورن عن إحباطه من رد فعل المجتمع الدولي حيال هذه الكارثة: “من المذهل أن الغرب لا يأخذ في الاعتبار انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان ويسمح لها بأن تكون المكان الوحيد الذي يمكن للناس من جميع أنحاء العالم الانضمام إلى الجيش فيه”.
وشدد ميلبورن أيضًا على الوضع المزري في غزة: “إذا كنت من غزة، فلن تتمكن من الانتقال إلى جزء آخر من فلسطين. أنت عالق هناك… غزة حرفيًا سجن مفتوح”.
واختتم كلمته بسؤال مؤثر حول العدالة الدولية: ” السؤال الذي يطرح نفسه، والذي يدور في بالنا جميعًا: لماذا لم يتم تقديم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن، وخاصة بالنظر إلى قضايا مثل الإبادة الجماعية في البوسنة ورواندا… لماذا لم يتم توجيه اتهامات رسمية ضد إسرائيل رغم الظروف المماثلة لتلك القضايا!! “.
وفي الختام، أكد المتحدثون على ضرورة تضافر الجهود الشعبية والمحلية من أجل وضع حد للجرائم الإسرائيلية في فلسطين. وطرحت المناقشات استراتيجيات مبتكرة وأساليب تعاونية، مما سلط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في السعي لتحقيق العدالة، كما أكد الضيوف على ضرورة توحيد الصوت لتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين.