شهدت السجون المصرية خلال 24 ساعة فقط حالتي وفاة لسجينين سياسيين، في مشهد يعكس تدهوراً خطيراً في أوضاع الاحتجاز وغياباً ممنهجاً للرعاية الطبية، وسط بيئة عقابية تتكرّر فيها حالات الوفاة الناجمة عن الإهمال بشكل لافت.
فقد توفي السجين السياسي خالد الأبيض داخل سجن المنيا بعد مرور أكثر من 12 عاماً على حبسه، إثر وعكة صحية حادة تُرك خلالها دون علاج، رغم النداءات المتكررة من زملائه لنقله إلى المستشفى.
وتشير الشهادات إلى أن إدارة السجن تجاهلت حالة الأبيض التي تدهورت سريعاً، ما أدى إلى وفاته داخل محبسه. فيما تؤكد أسرته أنه لم يكن يعاني من أمراض مزمنة قبل اعتقاله، وأن الظروف الصحية القاسية داخل السجون والإهمال الطبي المباشر شكّلا سبباً أساسياً لوفاته.
وجاءت وفاة الأبيض بعد ساعات من وفاة السجين السياسي إبراهيم أحمد عبد الرحمن، المعروف بـ”أبو تسبيح” الذي كان محتجزا في سجن جمصة، والذي تجاوز عمره الستين عاماً.
وتعرض عبد الرحمن لأزمة صحية حادة قبل نحو شهرين، اتضح لاحقاً أنها انسداد في المرارة تبعته مضاعفات خطيرة، وصولاً إلى اكتشاف ورم سرطاني لم يُقدَّم له بشأنه أي علاج مناسب في المراحل المبكرة. ولم يُنقل إلى المستشفى إلا في مرحلة متأخرة للغاية، حيث فارق الحياة متأثراً بتدهور حالته الصحية.
وتظهر هذه الوقائع انتهاكاً صريحاً لالتزام أي دولة بضمان سلامة المحتجزين وصون حقهم في الرعاية الصحية، وهو التزام جوهري في القانون الدولي الذي يفرض على السلطات اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع المخاطر على حياة الأشخاص المحرومين من حريتهم.
وتعتبر إعاقة العلاج، أو تأخير نقله، أو تجاهل الاستغاثات الطبية ممارسات تتعارض بوضوح مع القواعد الدولية للمعاملة الإنسانية، التي تشدد على توفير علاج فعّال وكافٍ دون إبطاء، وعدم تعريض المحتجزين للمعاناة عبر الإهمال أو الامتناع المتعمد عن تقديم الرعاية.
كما تمثل هذه الحوادث خرقاً لمعايير الاحتجاز الصحية الأساسية، بما في ذلك قواعد نيلسون مانديلا النموذجية التي تنص على توفير الرعاية الطبية المناسبة وتسهيل وصول السجناء إلى المستشفيات عند الحاجة، وتحظر منع العلاج أو تأخيره لأي سبب.
وتكشف وفاة الأبيض وعبد الرحمن عن نمط ثابت ومتسع من الإهمال الطبي داخل السجون المصرية، حيث تتكرر الشهادات بشأن منع الأطباء المتخصصين من الكشف على السجناء، ورفض نقل الحالات الحرجة إلى مستشفيات مجهَّزة، والتباطؤ في التعامل مع الحالات الطارئة.
ويشكل استمرار هذه الحالات رغم التكرار، وغياب أي شفافية حول ظروف الوفاة، مؤشرا إلى غياب فعلي للمساءلة داخل منظومة السجون، وإلى استمرار سياسة تُفضي بشكل مباشر إلى إزهاق أرواح محتجزين محرومين من الدفاع عن أنفسهم أو الحصول على علاج أساسي.
وتُبرز هذه الوقائع الحاجة إلى تحقيقات مستقلة وشاملة في ظروف الوفاة والأوضاع الصحية داخل السجون، وضمان محاسبة المسؤولين عن الإهمال الطبي أو الامتناع المتعمّد عن تقديم العلاج.
كما تفرض ضرورة إعادة النظر جذرياً في برامج الرعاية الصحية داخل السجون، وضمان توفير خدمات طبية حقيقية وسريعة وفعّالة، وحماية حياة المحتجزين من المخاطر الناجمة عن الإهمال.

























