أعرب خبراء أمميون عن صدمتهم المطلقة إزاء إدانة المحامي والحقوقي التونسي العياشي الهمامي، الذي نُقل إلى السجن في 3 ديسمبر الجاري لتنفيذ حكم بالسجن لمدة خمس سنوات، في سياق قضية “التآمر على أمن الدولة” التي أثارت جدلاً واسعاً منذ بدايتها.
وقال الخبراء في بيان مشترك إن “ملاحقة الحقوقيين ووصمهم بالإرهابيين فقط بسبب أداء واجباتهم أو ممارستهم لحرية التعبير يهدد بشكل مباشر نزاهة الإجراءات القانونية ويعرض الحق في محاكمة عادلة للخطر”.
وأضاف الخبراء أن الإجراءات المتخذة ضد الهمامي “تتعارض مباشرة مع استقلال مهنة المحاماة، وتقوّض قدرة المحامين على تمثيل موكليهم”، مؤكدين أنها تفتقر لأي أساس قانوني راسخ، وتهدف إلى إحداث تأثير تخويفي لكل من ينتقد السلطة التنفيذية أو يدافع عن استقلال القضاء.
كما شددوا على أن الممارسة الحرة لمهنة المحاماة تمثل إحدى الدعائم الأساسية لضمان الوصول للعدالة وحماية الحقوق والحريات.
وكان الهمامي، المعروف بدفاعه عن القضاة والحقوقيين، عضواً في هيئة الدفاع عن المتهمين في القضية نفسها، قبل أن يُضاف هو شخصياً إلى لائحة المشتبه بهم في ماي 2023، ثم توجه له التهم رسمياً في أكتوبر من العام ذاته. كما فُرضت عليه قيود شديدة، من بينها منعه من السفر ومن الظهور في الأماكن العامة، في خطوة تزيد من الطابع القمعي لهذه الملاحقات.
ويشير تسلسل الأحداث إلى أن القضية تحولت تدريجياً إلى أداة لتصفية الأصوات المنتقدة، خصوصاً بعد أن كان الهمامي المتحدث باسم لجنة الدفاع عن القضاة الـ57 الذين تم فصلهم تعسفياً بمرسوم رئاسي في جوان 2022. وتكررت المخاوف الأممية سابقاً، ومنها التحذيرات التي أطلقها خبراء في سبتمبر الفارط بعد إدانة المحامي أحمد صواب استناداً إلى قانون الإرهاب.
وتعكس قضية الهمامي مجموعة من الإشكاليات العميقة، أبرزها تسييس القضاء وتوسيع استخدام قوانين الإرهاب في غير موضعها، وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للشرعية الجنائية ولحظر العقوبات التعسفية. كما أن اللجوء إلى الوصف الأمني “الإرهابي” في قضايا تتعلق بتعبير سياسي أو دفاع قانوني يمثل خلطاً خطيراً يهدد حرية العمل الحقوقي ويقوّض ثقة المجتمع في العدالة.
وتشير هذه التطورات إلى تراجع جوهري في مبدأ الفصل بين السلطات، وتنامي دور السلطة التنفيذية في توجيه المسار القضائي، إضافة إلى انتهاك قواعد أساسية مثل افتراض البراءة، وحق المتهم في الدفاع، وحق المحامين في العمل دون مضايقة أو تدخل.
وتؤكد قضية العياشي الهمامي أن تونس تمرّ بمرحلة تتسم بزيادة الضغط على العمل الحقوقي وحرية المهنة القانونية، في إطار نهج يعيد تشكيل المجال العام على نحو يقيد الأصوات المنتقدة ويقلل من استقلال القضاء.
وبينما يطالب الخبراء الأمميون بوقف هذه الممارسات فوراً؛ تبدو الحاجة ملحة لإعادة الاعتبار لأسس العدالة وسيادة القانون، وضمان أن يبقى الدفاع عن الحقوق والحريات عملاً مشروعاً لا جريمة يعاقَب عليها.



























